فصل: فَصَلِّ فِي دِيَةَ النَّفْسِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.بَاب الْقِصَاص فِيمَا دُون النَّفْس:

لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ إذْ الْجُزْءُ يَتْبَعُ الْكُلَّ (هُوَ) أَيْ الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ (فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ) الضَّمِيرُ فِي فِيهِ يَرْجِعُ إلَى مَا وَهِيَ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِ الْجِنَايَةِ (حِفْظُ الْمُمَاثَلَةِ) وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ رِعَايَتُهَا فِيهِ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَمَا لَا فَلَا (إذَا كَانَ عَمْدًا فَيُقْتَصُّ بِقَطْعِ الْيَدِ مِنْ الْمَفْصِلِ) لَا فِيمَا إذَا قَطَعَ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ رِعَايَةُ الْمُمَاثَلَةِ كَمَا سَيَأْتِي.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (كَانَتْ أَكْبَرَ مِنْ يَدِ الْمَقْطُوعِ) لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْيَدِ لَا تَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْكِبَرُ وَالصِّغَرُ فِي شَجَّةِ الرَّأْسِ إذَا اسْتَوْعَبَتْ رَأْسَ الْمَشْجُوجِ وَكَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا إذْ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ هُوَ الشَّيْنُ دُونَ الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ قَطْعِ الْيَدِ فَإِنَّ الشَّيْنَ فِيهِ لَا يَخْتَلِفُ وَلِهَذَا خُيِّرَ بَيْنَ الِاقْتِصَاصِ وَأَخْذِ الْأَرْشِ.
(وَكَذَا الرِّجْلُ) إذَا قُطِعَتْ مِنْ الْمَفْصِلِ لِلْمُمَاثَلَةِ لَا مِنْ نِصْفِ السَّاقِ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي.
(وَ) كَذَا (فِي مَارِنِ الْأَنْفِ وَفِي الْأُذُنِ) إذَا قُطِعَا عَمْدًا فَيُقْتَصُّ مِنْ الْقَاطِعِ لَا فِي قَصَبَةِ الْأَنْفِ لَهَدْمِ إمْكَانِ رِعَايَةِ الْمُمَاثَلَةِ.
(وَ) كَذَا يُقْتَصُّ (فِي الْعَيْنِ إنْ ذَهَبَ ضَوْءُهَا) بِضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَهِيَ قَائِمَةٌ) أَيْ الْحَالُ أَنَّ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ وَقَوْلُهُ بِضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ أَيْ بِحَيْثُ لَمْ تَدْمَعْ إذَا كَانَتْ مَفْتُوحَةً مُقَابِلَةً لِلشَّمْسِ أَوْ لَمْ تَهْرُبْ مِنْ الْحَيَّةِ أَوْ قَالَ ذَلِكَ طَبِيبَانِ وَفِيهِ رَمْزٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ ابْيَضَّ بَعْضُ النَّاظِرَةِ أَوْ أَصَابَهَا قُرْحَةٌ أَوْ سَبَلٌ أَوْ شَيْءٌ مِمَّا يَقْبُحُ بِالْعَيْنِ لَيْسَ فِيهِ قِصَاصٌ بَلْ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ بَيَاضُهُ ثُمَّ أَبْصَرَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ قَالُوا وَهَذَا إذَا صَارَ كَمَا كَانَ وَأَمَّا إذَا عَادَ دُونَ ذَلِكَ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَإِلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ عَيْنُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَكْبَرَ مِنْ عَيْنِ الْجَانِي أَوْ أَصْغَرَ فَهُوَ سَوَاءٌ وَكَذَا الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَكَذَا أُصْبُعُهُمَا وَيُؤْخَذُ إبْهَامُ الْيُمْنَى بِالْيُمْنَى وَالسَّبَّابَةُ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى بِالْوُسْطَى وَلَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ مِنْ الْأَعْضَاءِ الْيُمْنَى إلَّا بِالْيُمْنَى وَلَا الْيُسْرَى إلَّا بِالْيُسْرَى فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ مِنْ الْأَعْضَاءِ إلَّا بِمِثْلِهِ مِنْ الْقَاطِعِ وَمَنْ قَطَعَ يَدًا ظُفْرُهَا مُسَوَّدٌ أَوْ بِهَا جِرَاحَةٌ لَا يُوجِبُ نُقْصَانَ دِيَةِ الْيَدِ بَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ كَمَا فِي الْمِنَحِ (لَا) يُقْتَصُّ (إنْ قُلِعَتْ) الْعَيْنُ وَذَهَبَ نُورُهَا إذْ رِعَايَةُ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْقَطْعِ وَالِانْخِسَافِ غَيْرُ مُمْكِنٌ (فَيُجْعَلُ عَلَى الْوَجْهِ قُطْنٌ رَطْبٌ وَتُقَابَلُ الْعَيْنُ بِمِرْآةٍ مُحَمَّاةٍ حَتَّى يَذْهَبَ ضَوْءُهَا) وَإِنَّمَا جُعِلَ هَذَا الْوَجْهُ لِصِيَانَةِ الْوَجْهِ وَالْعَيْنِ الْأُخْرَى عَنْ الضَّرَرِ.
(وَ) يُقْتَصُّ (فِي كُلِّ شَجَّةٍ تُرَاعَى فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ كَالْمُوضِحَةِ) وَهِيَ أَنْ يَظْهَرَ الْعَظْمُ كَمَا سَيَأْتِي (وَلَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ سِوَى السِّنِّ) لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ».
وَقَالَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا لَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ إلَّا فِي السِّنِّ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ فَإِنْ كَانَ السِّنُّ عَظْمًا فَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَظْمٍ فَمُنْقَطِعٌ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَطِبَّاءُ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ طَرَفُ عَصَبٍ يَابِسٍ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ وَيَنْمُو بَعْدَ تَمَامِ الْخِلْقَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ عَظْمٌ وَإِلَى هَذَا مَيْلُ الْمُصَنِّفِ (فَيُقْلَعُ) مِنْ الضَّارِبِ (إنْ قَلَعَ) سِنَّ الْمَضْرُوبِ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ أَوْ لَا لِأَنَّ مَنْفَعَةَ السِّنِّ لَا تَخْتَلِفُ بِهِمَا (وَيُبْرَدُ) بِالْمِبْرَدِ (إنْ كُسِرَ) إلَى أَنْ يَتَسَاوَيَا لِتَحْقِيقِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْكَسْرِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} قِيلَ لَا تُقْلَعُ بِالْقَلْعِ بَلْ تُبْرَدُ إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ إلَى اللَّحْمِ وَيَسْقُطُ مَا سِوَاهُ.
(وَلَا) قِصَاصَ (بَيْنَ طَرَفَيْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَحُرٍّ وَعَبْدٍ أَوْ) فِي (طَرَفَيْ عَبْدَيْنِ) فِي الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ وَنَحْوِهِمَا لِانْعِدَامِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْأَطْرَافِ عِنْدَنَا لِأَنَّهَا يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَيَثْبُتُ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فِي الْقِيمَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ اعْتِبَارًا لِلْأَطْرَافِ بِالْعَكْسِ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً لَهَا (وَلَا فِي قَطْعِ يَدٍ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ) لِمَا سَلَفَ مِنْ عَدَمِ إمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ (وَلَا) قِصَاصَ (فِي جَائِفَةٍ بَرِئَتْ) وَالْجَائِفَةُ هِيَ الطَّعْنَةُ الَّتِي بَلَغَتْ الْجَوْفَ وَإِنَّمَا قَالَ بَرِئَتْ لِأَنَّ الْبُرْءَ فِيهَا نَادِرٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّانِيَ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ فَلَا يُمْكِنُ رِعَايَةُ الْمُمَاثَلَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَبْرَأْ فَإِنَّهَا إمَّا سَارِيَةٌ فَيَجِبُ الِاقْتِصَاصُ وَإِمَّا أَنْ لَا تَسْرِيَ بَعْدُ فَيُنْتَظَرُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ الْحَالُ مِنْ الْبُرْءِ أَوْ السِّرَايَةِ.
(وَلَا) قِصَاصَ (فِي) قَطْعِ (اللِّسَانِ وَلَا فِي الذَّكَرِ) عِنْدَنَا حَيْثُ يَجْرِي فِيهِمَا الِانْقِبَاضُ وَالِانْبِسَاطُ فَلَا يُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الِاسْتِيفَاءِ (إلَّا إنْ قُطِعَتْ الْحَشَفَةُ فَقَطْ) فَحِينَئِذٍ يُقْتَصُّ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ مَعْلُومٌ فَصَارَ كَالْمَفْصِلِ وَلَوْ قَطَعَ بَعْضَ الْحَشَفَةِ أَوْ بَعْضَ الذَّكَرِ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْبَعْضَ لَا يُعْلَمُ مِقْدَارُهُ وَالشَّفَةُ إنْ اسْتَقْصَاهَا بِالْقَطْعِ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِإِمْكَانِهِ اعْتِبَارَ الْمُسَاوَاةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ بَعْضَهُمَا لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ قَطَعَ مِنْ الْأَصْلِ يُقْتَصُّ لِإِمْكَانِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ.
(وَطَرَفُ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ سَوَاءٌ) لِلتَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فِي الْأَرْشِ (وَخُيِّرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَأَخْذِ الْأَرْشِ لَوْ كَانَتْ يَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءَ أَوْ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ) لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ بِكَمَالِهِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَتَجَوَّزَ بِدُونِ حَقِّهِ فِي الْقَطْعِ وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْشَ كَامِلًا كَمَنْ أَتْلَفَ مِثْلِيًّا لِإِنْسَانٍ فَانْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الرَّدِيُّ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَوْجُودَ نَاقِصًا وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ ثُمَّ إذَا اسْتَوْفَى الْقِصَاصَ سَقَطَ حَقُّهُ فِي الزِّيَادَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ فَلْيُطَالَعْ (أَوْ) كَانَ (رَأْسُ الشَّاجِّ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ بِحَيْثُ لَا تَسْتَوْعِبُ الشَّجَّةَ مَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ) أَيْ مَا بَيْنَ نَاحِيَتَيْ رَأْسِهِ (وَقَدْ اسْتَوْعَبَتْ) الشَّجَّةُ (مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ) فَقَوْلُهُ لَا تَسْتَوْعِبُ إلَى آخِرِهِ قَيْدٌ لِكَوْنِ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ أَكْبَرَ فَإِنَّ الشَّجَّةَ إنَّمَا كَانَتْ مُوجِبَةً لِكَوْنِهَا مُشِينَةً فَيَتَعَذَّرُ الِاسْتِيفَاءُ كَامِلًا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَشْجُوجِ أَكْبَرَ وَرَأْسُ الشَّاجِّ أَصْغَرَ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الشَّيْنِ فَيُخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَخَذَ أَرْشَهَا وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ وَيَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الزِّيَادَةِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ وَرَأْسُ الْمَشْجُوجِ أَصْغَرَ فَإِنَّ الشَّيْنَ يَزْدَادُ بِازْدِيَادِ الشَّجَّةِ فَيَزِيدُ بِالِاسْتِيفَاءِ عَلَى فِعْلِهِ وَبِاسْتِيفَاءِ قَدْرِ حَقِّهِ لَا يَلْحَقُ الشَّاجَّ مِنْ الشَّيْنِ مَا يَلْحَقُ الْمَشْجُوجَ فَلِهَذَا قُلْنَا بِالْخِيَارِ.

.فَصَلِّ: في سُقُوطُ الْقِصَاصِ:

لَمَّا كَانَ سُقُوطُ الْقِصَاصِ وَالصُّلْحُ عَنْهُ بَعْدَ تَحْقِيقِ الْجِنَايَةِ وَأَحْكَامِهَا عَقَدَ هَذَا الْفَصْلَ لِذَلِكَ لِتَمَيُّزِ مَسَائِلِهِ عَمَّا سَبَقَ بَيَانُهُ مِنْ الْجِنَايَاتِ بِأَنْوَاعِهَا فَقَالَ (وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ بِمَوْتِ الْقَاتِلِ) لِفَوَاتِ الْمَحِلِّ (وَبِعَفْوِ الْأَوْلِيَاءِ وَبِصُلْحِهِمْ عَلَى مَالٍ وَإِنْ قَلَّ) الْمَالُ لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ فَيَجُوزُ تَصَرُّفُهُمْ فِيهِ كَيْفَ شَاءُوا (وَيَجِبُ) الْمَالُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ (حَالًّا) يَعْنِي إذَا صَالَحَ الْأَوْلِيَاءُ عَلَى مَالٍ عَنْ الْقِصَاصِ وَجَبَ الْمَالُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا حَالًّا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا الْحُلُولَ وَالتَّأْجِيلَ لِأَنَّهُ مَالٌ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ وَالْأَصْلُ فِي أَمْثَالِهِ الْحُلُولُ كَالْمَهْرِ وَالثَّمَنِ وَمَشْرُوعِيَّةُ الصُّلْحِ ثَابِتَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الصُّلْحِ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْمَالَ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا» فَالْمُرَادُ أَخْذُ الْمَالِ بِرِضَى الْقَاتِلِ وَهُوَ مَعْنَى الصُّلْحِ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِلْأَوْلِيَاءِ يَجُوزُ لَهُمْ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِإِسْقَاطِهِ مَجَّانًا وَهُوَ الْعَفْوُ وَبِعِوَضٍ وَهُوَ مَعْنَى الصُّلْحِ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ فَلَا يَجْرِي فِيهِ الْعَفْوُ فَكَذَا التَّعْوِيضُ وَإِنَّمَا كَانَ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ فِيهِ سَوَاءً لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا فَيُفَوَّضُ إلَى رِضَاهُمَا كَالْخُلْعِ وَبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ مُقَدَّرٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ} فَيَكُونُ أَخْذُ أَكْثَرَ مِنْهُ رِبًا.
(وَ) يَسْقُطُ الْقِصَاصُ (بِصُلْحِ بَعْضِهِمْ) أَيْ الْأَوْلِيَاءِ (أَوْ عَفْوِهِ) أَيْ الْبَعْضِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي نَصِيبِهِ اسْتِيفَاءً وَإِسْقَاطًا بِالْعَفْوِ أَوْ الصُّلْحِ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ وَمِنْ ضَرُورَةِ سُقُوطِ حَقِّ الْبَعْضِ فِي الْقِصَاصِ سُقُوطُ حَقِّ الْبَاقِينَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ فَعَفَا أَوْلِيَاءُ أَحَدِهِمَا حَيْثُ يَكُونُ لِأَوْلِيَاءِ الْآخَرِ قَتْلُهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ قِصَاصَانِ لِاخْتِلَافِ الْقَتْلِ وَالْمَقْتُولِ فَبِسُقُوطِ أَحَدِهِمَا لَا يَسْقُطُ الْآخَرُ.
(وَلِمَنْ بَقِيَ) مِنْ الْأَوْلِيَاءِ (حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى الْقَاتِلِ هُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ تَعَذَّرَ لِمَعْنًى فِي الْقَاتِلِ وَهُوَ ثُبُوتُ عِصْمَتِهِ بِعَفْوِ الْبَعْضِ فَيَجِبُ الْمَالُ كَمَا فِي الْخَطَأِ فَإِنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْقِصَاصِ ثَمَّةَ لِمَعْنًى فِي الْقَاتِلِ وَهُوَ كَوْنُهُ خَاطِئًا وَلَا حِصَّةَ لِلْعَافِي لِإِسْقَاطِ حَقِّهِ (وَقِيلَ عَلَى الْعَاقِلَةِ) وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْقَتْلَ عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَتَحَمَّلُ الْعَمْدَ.
(وَلَوْ قَتَلَ حُرٌّ وَعَبْدٌ شَخْصًا فَأَمَرَ الْحُرُّ وَسَيِّدُ الْعَبْدِ رَجُلًا بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِهِمَا بِأَلْفٍ فَصَالَحَ فَهِيَ نِصْفَانِ) يَعْنِي إذَا قَتَلَ حُرٌّ وَعَبْدٌ رَجُلًا عَمْدًا حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِمَا الدَّمُ فَأَمَرَ الْحُرُّ وَمَوْلَى الْعَبْدِ رَجُلًا أَنْ يُصَالِحَ عَنْ دَمِهِمَا عَلَى أَلْفٍ فَفَعَلَ فَالْأَلْفُ عَلَى الْحُرِّ وَمَوْلَى الْعَبْدِ نِصْفَانِ لِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْقِصَاصِ وَهُوَ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَيُقْسَمُ بَدَلُهُ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ.
وَلِأَنَّ الْأَلْفَ وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مُضَافٌ إلَيْهِمَا فَيَتَنَصَّفُ مُوجَبُهُ وَهُوَ الْأَلْفُ.
(وَيُقْتَلُ الْجَمْعُ بِالْفَرْدِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُقْتَلُ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ وَتَرْكُ الْقِيَاسِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ رُوِيَ أَنَّ سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ قَتَلُوا وَاحِدًا فَقَتَلَهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَقَالَ لَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ وَلِأَنَّ زَهُوقَ الرُّوحِ لَا يَتَجَزَّأُ وَاشْتِرَاكَ الْجَمَاعَةِ فِيمَا لَا يَتَجَزَّأُ يُوجِبُ التَّكَامُلَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَيُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَامِلًا كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ فِي بَابِ النِّكَاحِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمَتْنِ مِنْ قَيْدَانِ يُجْرَحُ كُلُّ وَاحِدٍ جَرْحًا مُهْلِكًا لِأَنَّ زَهُوقَ الرُّوحِ يَتَحَقَّقُ بِالْمُسَاوَاةِ فِيهِ كَمَا فِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ لِلشَّيْخِ قَاسِمٍ حَتَّى إذَا لَمْ يُجْرَحْ كُلُّ وَاحِدٍ جُرْحًا مُهْلِكًا لَا يُقْتَلُ قَالَ الزَّاهِدِيُّ فِي الْمُجْتَبَى إنَّمَا يُقْتَلُ جَمِيعُهُمْ إذَا وُجِدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جُرْحٌ يَصْلُحُ لِزَهُوقِ الرُّوحِ فَأَمَّا إذَا كَانُوا نُظَّارَةً أَوْ مُغْرِيِّينَ أَوْ مُعِينِينَ بِالْإِمْسَاكِ وَالْأَخْذِ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِمْ انْتَهَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ فِي تَعْلِيلِ وُجُوبِ قَتْلِ الْجَمْعِ بِالْفَرْدِ لِأَنَّ زَهُوقَ الرُّوحِ لَا يَتَجَزَّأُ وَاشْتِرَاكَ الْجَمَاعَةِ فِيمَا لَا يَتَجَزَّأُ يُوجِبُ التَّكَامُلَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَيُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ.
(وَ) يُقْتَلُ (الْفَرْدُ بِالْجَمْعِ اكْتِفَاءً إنْ حَضَرَ أَوْلِيَاؤُهُمْ) أَيْ يُكْتَفَى بِقَتْلِ الْفَرْدِ حَيْثُ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِالْأَوَّلِ وَيَجِبُ الْمَالُ لِلْبَاقِينَ إنْ عُلِمَ أَوَّلُ مَنْ قُتِلَ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَوَّلُ الْمَقْتُولِينَ يُقْتَلُ لَهُمْ وَقُسِمَتْ الدِّيَاتُ بَيْنَهُمْ وَقِيلَ يُقْرَعُ فَيُقْتَلُ لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ فَيَجِبُ الْمَالُ لِلْبَاقِينَ.
(وَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ) مِنْ الْأَوْلِيَاءِ (قُتِلَ لَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الْوَاحِدِ الْحَاضِرِ (وَسَقَطَ حَقُّ) أَوْلِيَاءِ (الْبَقِيَّةِ) وَهُوَ الْقِصَاصُ عِنْدَنَا لِفَوَاتِ الْمَحِلِّ فَصَارَ كَمَوْتِ الْعَبْدِ الْجَانِي.
(وَلَا تُقْطَعُ يَدَانِ بِيَدٍ وَإِنْ أَمَرَّا سِكِّينًا فَقُطِعَا مَعًا بَلْ يَضْمَنَانِ دِيَتَهَا) يَعْنِي لَا تُقْطَعُ يَدَا رَجُلَيْنِ بِيَدِ رَجُلٍ أَمَرَّا سِكِّينًا وَاحِدًا عَلَى يَدٍ فَقُطِعَتْ وَضَمِنَا دِيَةً وَاحِدَةً عَلَى الْمُنَاصَفَةِ عِنْدَنَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ قَاطِعٌ بَعْضَ الْيَدِ فَلَا مُمَاثَلَةَ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ حَصَلَ بِاعْتِمَادِ يَدَيْهِمَا عَلَى السِّكِّينِ عِنْدَ الْإِمْرَارِ وَالْمَحِلُّ مُتَجَزٍّ فَيُضَافُ الْبَعْضُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِخِلَافِ النَّفْسِ لِأَنَّ زَهُوقَ الرُّوحِ لَا يَتَجَزَّأُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْطَعُ يَدَاهُمَا قِيَاسًا بِالْأَنْفُسِ لِكَوْنِ الطَّرَفِ تَابِعًا لَهَا أَوْ زَجْرًا لَهُمَا وَقِيلَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْطَعُ يَدُ أَحَدِهِمَا بِالْقُرْعَةِ وَعَلَى الْآخَرِ الدِّيَةُ قِيلَ لَوْ وَضَعَ أَحَدُهُمَا السِّكِّينَ مِنْ جَانِبٍ وَالْآخَرُ وَضَعَ السِّكِّينَ الْآخَرَ مِنْ جَانِبٍ وَأَمَرَا حَتَّى الْتَقَى السِّكِّينَانِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ اتِّفَاقًا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَاطِعٌ لِلْبَعْضِ.
(فَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ يَمِينَيْ رَجُلَيْنِ) سَوَاءٌ قَطَعَهُمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ (فَلَهُمَا قَطْعُ يَمِينِهِ وَدِيَةُ يَدٍ بَيْنَهُمَا) وَهُوَ نِصْفُ دِيَةِ النَّفْسِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ (إنْ حَضَرَا مَعًا) لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ مَرْعِيَّةٌ بِالْقِيمَةِ فِي الْأَطْرَافِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ.
يُقْطَعُ بِالْأَوَّلِ فِي التَّعَاقُبِ وَلِلثَّانِي الْأَرْشُ وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فِي الْقِرَانِ وَالْقِصَاصِ لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَلِلْآخَرِ الْأَرْشُ.
(وَإِنْ حَضَرَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الْمَقْطُوعَيْنِ (وَقُطِعَ) الْقَاطِعُ عِنْدَ حُضُورِهِ (فَلِلْآخَرِ الدِّيَةُ) أَيْ دِيَةُ وَاحِدٍ لِأَنَّ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ لِثُبُوتِ حَقِّهِ وَتَرَدُّدِ حَقِّ الْغَائِبِ بَيْنَ أَنْ لَا يَطْلُبَ أَوْ يَعْفُوَ مَجَّانًا أَوْ يُصَالِحَ فَإِذَا اسْتَوْفَى لَمْ يَبْقَ مَحِلُّ الِاسْتِيفَاءِ فَيَتَعَيَّنُ حَقُّ الْآخَرِ فِي الدِّيَةِ لِأَنَّهُ أَوْفَى بِهِ حَقًّا مُسْتَحَقًّا.
(وَصَحَّ إقْرَارُ الْعَبْدِ بِقَتْلِ الْعَمْدِ وَيُقْتَصُّ بِهِ) عِنْدَنَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ لِأَنَّهُ مُضِرٌّ بِالْعَبْدِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ عَمَلًا بِالْآدَمِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ مَأْذُونًا أَوْ مَحْجُورًا حَتَّى لَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ وَبُطْلَانِ حَقِّ الْمَوْلَى بِطَرِيقِ الضَّمَانِ فَلَا يُبَالِي بِهِ خِلَافًا الْفَرَسْ إذْ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمَوْلَى فَصَارَ كَالْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ خَطَأً أَوْ بِالْمَالِ.
(وَمَنْ رَمَى رَجُلًا عَمْدًا فَنَفَذَ إلَى آخَرَ) عَمْدًا (فَمَاتَا اُقْتُصَّ لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ عَمْدٌ (وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ لِلثَّانِي) لِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ الْخَطَأِ كَأَنَّهُ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ آدَمِيًّا وَالْفِعْلُ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْأَثَرِ.

.فَصَلِّ: فيمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ قَتَلَهُ:

(وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ قَتَلَهُ أُخِذَ بِهِمَا مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدَيْنِ أَوْ خَطَأَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ (إنْ تَخَلَّلَهُمَا بُرْءٌ) فَيَجِبُ الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ فِي الْعَمِدَيْنِ وَدِيَةٌ وَنِصْفُ دِيَةٍ فِي الْخَطَأَيْنِ وَالْقَطْعُ وَالدِّيَةُ إذَا كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا وَالْقَتْلُ خَطَأً وَالْقِصَاصُ وَنِصْفُ الدِّيَةِ فِي عَكْسِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجِرَاحَاتِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ تَتْمِيمًا لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ الْقَتْلَ فِي الْأَعَمِّ يَقَعُ بِضَرَبَاتٍ مُتَعَاقِبَةٍ وَفِي اعْتِبَارِ كُلِّ ضَرْبَةٍ بِنَفْسِهَا بَعْضُ الْحَرَجِ إلَّا أَنْ يُمْكِنَ الْجَمْعُ فَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ حُكْمَ نَفْسِهِ لِتَخَلُّلِ الْبُرْءِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ فِي الْعَمْدَيْنِ وَالْخَطَأَيْنِ وَلِاخْتِلَافِ حُكْمِ الْفِعْلَيْنِ وَتَخَلُّلِ الْبُرْءِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا فِي الْمُخْتَلِفَيْنِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ (فَإِنْ اخْتَلَفَا عَمْدًا وَخَطَأً) بِأَنْ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا وَالْقَتْلُ خَطَأً أَوْ بِالْعَكْسِ (أُخِذَ بِهِمَا) أَيْضًا فَيَجِبُ الْقَطْعُ وَالدِّيَةُ فِي الْأَوَّلِ وَالْقِصَاصُ وَنِصْفُ الدِّيَةِ فِي الثَّانِي لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ لِاخْتِلَافِ الْجِنَايَتَيْنِ لِكَوْنِ أَحَدِهِمَا عَمْدًا وَالْآخَرِ خَطَأً (لَا) يُؤْخَذُ بِهِمَا (إنْ كَانَ خَطَأَيْنِ) وَلَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ (بَلْ تَكْفِي دِيَةٌ) وَاحِدَةٌ.
أَعْنِي دِيَةَ الْقَتْلِ لِأَنَّ دِيَةَ الْقَطْعِ إنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ اسْتِحْكَامِ أَثَرِ الْفِعْلِ وَهُوَ أَنْ يُعْلَمَ عَدَمُ السِّرَايَةِ (وَفِي الْعَمْدَيْنِ) اللَّذَيْنِ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ (يُؤْخَذُ بِهِمَا) فَيَجِبُ الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) لَا يُقْطَعُ بَلْ (يُقْتَلُ فَقَطْ) فَيَدْخُلُ جَزَاءُ الْقَطْعِ فِي جَزَاءِ الْقَتْلِ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ لِتَجَانُسِ الْفِعْلَيْنِ وَعَدَمِ تَخَلُّلِ الْبُرْءِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَلَهُ أَنَّ الْجَمْعَ مُتَعَذِّرٌ لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ لِأَنَّ الْمُوجَبَ الْقَوَدُ وَهُوَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْفِعْلِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ بِالْقَتْلِ وَالْقَطْعُ بِالْقَطْعِ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ.
(وَلَوْ ضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَبَرِئَ مِنْ تِسْعِينَ وَمَاتَ مِنْ عَشْرَةٍ وَجَبَتْ دِيَةٌ) وَاحِدَةٌ (فَقَطْ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَمَّا بَرِئَ مِنْهَا لَا تَبْقَى مُعْتَبَرَةً فِي حَقِّ الْأَرْشِ وَإِنْ بَقِيَتْ مُعْتَبَرَةً فِي حَقِّ التَّعْزِيرِ لِلضَّارِبِ فَبَقِيَ الِاعْتِبَارُ لِلْعَشَرَةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ جِرَاحَةٍ انْدَمَلَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ عَلَى أَصْلِ الْإِمَامِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي مِثْلِهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَجِبُ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ الْأَدْوِيَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَإِنْ جَرَحَتْهُ) أَيْ جَرَحَتْ الْمَضْرُوبَةَ مِائَةَ سَوْطٍ (وَبَقِيَ) لَهَا (الْأَثَرُ) أَيْ أَثَرُ الْجِرَاحَةِ بَعْدَ الْبُرْءِ (وَلَمْ يَمُتْ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِبَقَاءِ الْأَثَرِ وَالْأَرْشِ إنَّمَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْأَثَرِ فِي النَّفْسِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ لَا يَجِبُ شَيْءٌ عِنْدَهُ.
(وَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ عَمْدًا فَعَفَا) الْمَقْطُوعُ (عَنْ الْقَطْعِ فَمَاتَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقَطْعِ (فَعَلَى قَاطِعِهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ عَفَا عَنْ الْقَطْعِ وَهُوَ غَيْرُ الْقَتْلِ فَلَمَّا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّهُ الْقَتْلُ لَا الْقَطْعُ فَتَجِبُ ضَمَانُ الْقَتْلِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِيهِ هَذَا فِي الْقِيَاسِ إلَّا أَنَّ الدِّيَةَ وَجَبَتْ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ صُورَةَ الْعَفْوِ مُورِثَةٌ لِلشُّبْهَةِ (وَعِنْدَهُمَا هُوَ) أَيْ عَفْوُ الْمَقْطُوعِ (عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ) فَلَا يَلْزَمُ عَلَى الْقَاطِعِ شَيْءٌ إذْ الْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ عَفْوٌ عَنْ مُوجِبِهِ وَهُوَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ هُوَ الْقَطْعُ إنْ لَمْ يَسْرِ أَوْ الْقَتْلُ إنْ سَرَى.
(وَإِنْ عَفَا) الْمَقْطُوعُ (عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقَطْعِ (أَوْ) عَفَا (عَنْ الْجِنَايَةِ) عَمْدًا (فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ إجْمَاعًا) لِكَوْنِ الْجِنَايَةِ جِنْسًا مُتَنَاوِلًا لِلسَّارِيَةِ وَالْمُقْتَصِرَةِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَالْعَمْدُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ وَالْخَطَأُ مِنْ ثُلُثِهِ) أَيْ ثُلُثِ الْمَالِ يَعْنِي إنْ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا وَعَفَا عَنْهُ كَانَ مِنْ كُلِّ الْمَالِ لِأَنَّ مُوجِبَهُ قَوَدٌ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ فَيَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ عَلَى الْكَمَالِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً وَعَفَا عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ الدِّيَةِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ لِأَنَّ الدِّيَةَ مَالٌ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِهَا وَالْعَفْوُ وَصِيَّةٌ فَيَصِحُّ مِنْ الثُّلُثِ (وَالشَّجُّ كَالْقَطْعِ) أَيْ الْعَفْوُ عَنْ الشَّجَّةِ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقَطْعِ فَإِذَا عَفَا الْمَشْجُوجُ عَنْ الشَّجَّةِ فَمَاتَ مِنْهَا يَضْمَنُ شَاجُّهُ أَرْشَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْعَفْوَ مُورِثٌ لِلشُّبْهَةِ فَلَا يَضْمَنُ الْقَتْلَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ إذْ الْعَفْوُ عَنْ الشَّجَّةِ عَفْوٌ عَنْ مُوجَبِهِ هُوَ الْأَرْشُ إنْ لَمْ يَسْرِ أَوْ الْقَتْلُ إنْ سَرَى وَلَوْ عَفَا عَنْ الشَّجَّةِ فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ.
وَكَذَا لَوْ عَفَا عَنْ الشَّجَّةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ وَلَوْ عَفَا عَنْ الشَّجَّةِ خَطَأً فَهُوَ عَفْوٌ مُعْتَبَرٌ مِنْ الثُّلُثِ وَلَوْ عَفَا عَنْ الشَّجَّةِ عَمْدًا فَهُوَ عَفْوٌ مَجَّانًا.
(وَإِنْ قَطَعَتْ امْرَأَةٌ يَدَ رَجُلٍ فَتَزَوَّجَهَا عَلَى) مُوجَبِ (يَدِهِ ثُمَّ مَاتَ) الْمَقْطُوعُ يَدُهُ (فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَعَلَيْهَا الدِّيَةُ فِي مَالِهَا إنْ) قَطَعَتْ (عَمْدًا وَعَلَى عَاقِلَتِهَا إنْ) قَطَعَتْ (خَطَأً) هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ أَوْ الْقَطْعِ لَا يَكُونُ عَفْوًا عَنْ مَا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا كَانَ تَزَوُّجًا عَلَى الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ وَلَيْسَ بِمَالٍ عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِيفَاءِ فَعَلَى تَقْدِيرِ السُّقُوطِ أَوْلَى فَلَا يَصْلُحُ لِلْمَهْرِ فَيَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجْرِي بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الطَّرَفِ فَكَيْفَ يَصِحُّ تَزَوُّجُهَا عَلَيْهِ أُجِيبُ أَنَّ الْمُوجَبَ الْأَصْلِيَّ لِلْعَمْدِ هُوَ الْقِصَاصُ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} وَإِنَّمَا سَقَطَ لِلتَّعَذُّرِ ثُمَّ تَجِبُ عَلَيْهَا الدِّيَةُ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ وَإِنْ تَضَمَّنَ الْعَفْوَ لَكِنَّ الْقِصَاصَ فِي الطَّرَفِ فَإِذَا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَتْلٌ وَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَفْوُ فَتَجِبُ الدِّيَةُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْعَفْوِ عَنْ النَّفْسِ وَهُوَ فِي مَالِهَا لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَتَحَمَّلُهُ فَإِذَا وَجَبَتْ لَهُ الدِّيَةُ وَلَهَا الْمَهْرُ تَقَاصَّا إنْ اسْتَوَيَا وَإِنْ فَضَلَتْ الدِّيَةُ تَرُدُّهُ عَلَى الْوَرَثَةِ وَإِنْ فَضَلَ الْمَهْرُ تَرُدُّهُ الْوَرَثَةُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً يَكُونُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَرْشِ الْيَدِ وَإِذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا أَرْشَ لِلْيَدِ وَأَنَّ الْمُسَمَّى مَعْدُومٌ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا فِي يَدِهِ وَلَا شَيْءَ فِيهَا وَالدِّيَةُ وَاجِبَةٌ بِنَفْسِ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ خَطَأٌ وَلَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ لِأَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ الْمُقَاصَّةُ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ فِي الدِّيَةِ وَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ بَلْ عَلَى الْقَاتِلِ.
(وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا) يَعْنِي السِّرَايَةَ (أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ ثُمَّ مَاتَ) مِنْ ذَلِكَ الْقَطْعِ (فَعَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْعَمْدِ) لِأَنَّ هَذَا تَزَوُّجٌ عَلَى الْقِصَاصِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَصْلُحُ مَهْرًا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ (وَيُرْفَعُ عَنْ الْعَاقِلَةِ مِقْدَارُهُ) أَيْ مِقْدَارُ مَهْرِ مِثْلِهَا (فِي الْخَطَأِ) إنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ (وَالْبَاقِي) مِنْ الدِّيَةِ (وَصِيَّةٌ لَهُمْ) أَيْ لِلْعَاقِلَةِ (فَإِنْ خَرَجَ) الْبَاقِي (مِنْ الثُّلُثِ سَقَطَ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ الْبَاقِي مِنْ الثُّلُثِ (فَقَدْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ) لِأَنَّهُ تَزَوُّجٌ عَلَى الدِّيَةِ وَهِيَ تَصْلُحُ مَهْرًا إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ لَكِنَّ التَّزَوُّجَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَلَا تَصِحُّ فِي حَقِّ الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ مُحَابَاةٌ فَيَكُونُ وَصِيَّةً وَالدِّيَةُ تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَقَدْ صَارَتْ مَهْرًا فَيَسْقُطُ كُلُّهَا عَنْهُمْ إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ.
(وَكَذَا الْحُكْمُ عِنْدَهُمَا فِي صُورَةِ الْأَوْلَى) أَيْ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ عَفْوٌ عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُمَا فَاتَّفَقَ جَوَابُهُمَا فِي الْفَصْلَيْنِ أَيْ فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ.
(وَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ فَمَاتَ بَعْدَمَا اُقْتُصَّ لَهُ مِنْ الْقَاطِعِ قُتِلَ قَاطِعُهُ) يَعْنِي لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فَاقْتَصَّ لَهُ بِأَنْ قَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ مَاتَ الْمَقْطُوعُ الْأَوَّلُ مِنْهُ قَبْلَ الْمَقْطُوعِ الثَّانِي قُتِلَ الْمَقْطُوعُ الثَّانِي بِهِ وَهُوَ الْقَاتِلُ الْأَوَّلُ قِصَاصًا لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ قَتْلَ عَمْدٍ وَحَقُّ الْمُقْتَصِّ الْقَوَدُ وَاسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الْقَوَدِ إذَا اسْتَوْفَى طَرَفَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَى الْقَطْعِ فَقَدْ أَبْرَأَهُ عَمَّا وَرَاءَهُ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّمَا أَقْدَمَ عَلَى الْقَطْعِ ظَنَّا مِنْهُ أَيْ مِنْ الْمَقْطُوعِ الْأَوَّلِ أَنَّ حَقَّهُ فِيهِ وَبَعْدَ السِّرَايَةِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ فِي الْقَوَدِ فَلَمْ يَكُنْ مُبَرِّئًا عَنْهُ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ.
(وَمَنْ قُتِلَ لَهُ وَلِيٌّ عَمْدًا فَقَطَعَ يَدَ قَاتِلِهِ ثُمَّ عَفَا عَنْ الْقَتْلِ فَعَلَيْهِ) أَيْ قَاطِعِ الْيَدِ (دِيَةُ الْيَدِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى غَيْرَ حَقِّهِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَتْلِ وَهَذَا قَطْعٌ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ وَإِذَا سَقَطَ وَجَبَ الْمَالُ.
(وَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ فَاقْتَصَّ مِنْ قَاطِعِهَا) بِنَفْسِهِ بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ كَمَا فِي الدُّرَرِ (فَسَرَى) الْقَطْعُ (إلَى نَفْسِهِ فَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُقْتَصِّ (دِيَةُ النَّفْسِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَطْعِ لَا فِي الْقَتْلِ وَلَمَّا سَرَى كَانَ قَتْلًا لَا قَطْعًا فَصَارَ فِعْلُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَمَا يَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ هُوَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ كَالرَّمْيِ إلَى الْحَرْبِيِّ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مِنْهَا إذْ الْعَفْوُ مَنْدُوبٌ لَكِنْ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ لِانْدِرَائِهِ بِشُبْهَةٍ فَانْقَلَبَ إلَى الدِّيَةِ (خِلَافًا لَهُمَا فِيهِمَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْقَطْعِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَبْرَأَهُ عَنْ غَيْرِهِ وَأَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَهُوَ الْقَطْعُ فَسَقَطَ حُكْمُ السِّرَايَةِ إذْ الِاحْتِرَازُ عَنْ السِّرَايَةِ خَارِجٌ عَنْ وُسْعِهِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ سَدِّ بَابِ الْقِصَاصِ كَالْإِمَامِ وَالْقَاضِي إذَا قَطَعَ يَدَ السَّارِقِ فَسَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ وَكَالْبَزَّاغِ وَالْفَصَّادِ وَالْحَجَّامِ وَالْخَتَّانِ وَكَمَا لَوْ قَالَ اقْطَعْ يَدِي وَمَاتَ.
وَفِي الْمِنَحِ وَضَمَانُ الصَّبِيِّ إذَا مَاتَ مِنْ ضَرْبِ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ تَأْدِيبًا عَلَيْهِمَا أَيْ عَلَى الْأَبِ وَالْوَصِيِّ عِنْدَ الْإِمَامِ كَضَرْبِ مُعَلِّمٍ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا بِغَيْرِ إذْنِ أَبِيهِ وَمَوْلَاهُ وَإِنْ كَانَ الضَّرْبُ بِإِذْنِهِمَا لَا ضَمَانَ وَكَذَا يَضْمَنُ زَوْجُ امْرَأَةٍ ضَرَبَهَا تَأْدِيبًا.

.بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ وَاعْتِبَارِ حَالِهِ:

لَمَّا كَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي الْقَتْلِ أَمْرًا مُتَعَلِّقًا بِالْقَتْلِ أَوْرَدَهَا بَعْدَ ذِكْرِ حُكْمِ الْقَتْلِ لِأَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّيْءِ كَانَ أَدْنَى دَرَجَةً مِنْ نَفْسِ ذَلِكَ الشَّيْءِ (الْقَوَدُ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ) بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ (ابْتِدَاءً لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ أَهْلًا لَأَنْ يَمْلِكَ شَيْئًا إلَّا مَا لَهُ إلَيْهِ حَاجَةٌ كَالْمَالِ مَثَلًا وَلِهَذَا يُجَهَّزُ وَتُقْضَى دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ مِنْ مَالِهِ وَطَرِيقُ ثُبُوتِهِ الْخِلَافَةُ وَعِنْدَهُمَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوِرَاثَةَ تَسْتَدْعِي سَبْقَ مِلْكِ الْمُورِثِ ثُمَّ الِانْتِقَالَ مِنْهُ إلَى الْوَارِثِ وَالْخِلَافَةُ لَا تَسْتَدْعِي ذَلِكَ فَالْمُرَادُ بِالْخِلَافَةِ هَهُنَا مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَنْ يَقُومَ شَخْصٌ مَقَامَ غَيْرِهِ فِي إقَامَةِ فِعْلِهِ فَفِي الْقَتْلِ اعْتَدَى الْقَاتِلُ عَلَى الْمَقْتُولِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْهِ لَكِنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ إقَامَتِهِ فَالْوَرَثَةُ قَامُوا مَقَامَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مَلَكَهُ ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى الْوَرَثَةِ (فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمْ) أَيْ أَحَدُ الْوَرَثَةِ (خَصْمًا عَنْ الْبَقِيَّةِ فِيهِ) أَيْ فِي إثْبَاتِ فِعْلِ الْقِصَاصِ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ مِنْهُمْ فَإِذَا أُقِيمَ الْقِصَاصُ أُقِيمَ بِجَمِيعِهِمْ (بِخِلَافِ الْمَالِ) لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَهْلٌ لَأَنْ يَمْلِكَ الْمَالَ وَلِذَا لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً وَتَعَلَّقَ بِهِ صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ يَمْلِكُهُ وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْوِرَاثَةِ (فَلَوْ أَقَامَ أَحَدُ ابْنَيْنِ حُجَّةً بِقَتْلِ أَبِيهِمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ غَائِبٌ لَزِمَ إعَادَتُهَا) أَيْ إعَادَةُ الْحُجَّةِ (بَعْدَ عَوْدِ الْغَائِبِ) لِيُتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ قَبْلَ عَوْدِ الْغَائِبِ بَلْ إذَا أَقَامَ الْحَاضِرُ الْبَيِّنَةَ يُحْبَسُ الْقَاتِلُ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالْقَتْلِ وَالْمُتَّهَمُ يُحْبَسُ فَإِنْ عَادَ الْغَائِبُ فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَقْتُلَاهُ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ بَلْ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا لَا يَلْزَمُ إعَادَتُهَا بَعْدَ عَوْدِ الْغَائِبِ بَلْ يُحْبَسُ أَيْضًا إذَا أَقَامَ الْحَاضِرُ الْبَيِّنَةَ فَإِذَا عَادَ الْغَائِبُ فَلَهُمَا أَنْ يَقْتُلَاهُ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ (وَفِي) قَتْلِ (الْخَطَأِ وَالدَّيْنِ لَا تَلْزَمُ) إعَادَةُ الْبَيِّنَةِ إذَا جَاءَ الْغَائِبُ بَعْدَ إقَامَةِ الْحَاضِرِ لِأَنَّ هَذَا لَا يُوجِبُ الْقَوَدَ بَلْ يُوجِبُ الدِّيَةَ فَطَرِيقُ ثُبُوتِهِ الْوِرَاثَةُ إجْمَاعًا وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ فِيمَا يَدَّعِي مَالًا لِلْمَيِّتِ أَوْ عَلَيْهِ كَمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُ الْوَرَثَةِ شَيْئًا مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ عَلَى أَحَدٍ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً يَثْبُتُ حَقُّ الْجَمِيعِ بِلَا حَاجَةٍ إلَى الدَّعْوَى وَالْإِثْبَاتِ مِنْ الْبَاقِينَ وَكَذَا إذَا ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى أَحَدِهِمْ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً تَثْبُتُ عَلَى جَمِيعِهِمْ بِلَا حَاجَةٍ إلَى الدَّعْوَى وَالْإِثْبَاتِ عَلَى الْبَاقِينَ.
(وَلَوْ بَرْهَنَ الْقَاتِلُ عَلَى عَفْوِ) الْوَارِثِ (الْغَائِبِ فَالْحَاضِرُ خَصْمٌ) عَنْ الْغَائِبِ (وَيَسْقُطُ الْقَوَدُ) أَيْ لَوْ أَقَامَ الْقَاتِلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَارِثِ الْحَاضِرِ أَنَّ الْوَارِثَ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا يَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ فَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْعَفْوِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ سُقُوطَ حَقِّهِ فِي الْقِصَاصِ وَانْتِقَالَهُ إلَى الْمَالِ فَإِذَا قَضَى عَلَيْهِ يَصِيرُ الْغَائِبُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ تَبَعًا وَيَسْقُطُ الْقَوَدُ عَنْ الْقَاتِلِ لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ وَيَنْقَلِبُ إلَى الدِّيَةِ.
(وَكَذَا لَوْ قُتِلَ عَبْدٌ لِرَجُلَيْنِ وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ) فَأَقَامَ الْقَاتِلُ بَيِّنَةً عَلَى الْحَاضِرِ أَنَّ شَرِيكَهُ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا عَنْهُ يَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا وَيَسْقُطُ الْقَوَدُ لِمَا بُيِّنَ آنِفًا.
(وَلَوْ شَهِدَ وَلِيَّا قِصَاصٍ بِعَفْوِ أَخِيهِمَا لَغَتْ) تِلْكَ الشَّهَادَةُ يَعْنِي إذَا كَانَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ ثَلَاثَةً فَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمَا عَلَى الثَّالِثِ أَنَّهُ عَفَا فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا نَفْعًا وَهُوَ انْقِلَابُ الْقَوَدِ مَالًا وَهُوَ عَفْوٌ مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا زَعَمَا أَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ سَقَطَ وَزَعْمُهُمَا مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ صَدَّقَهُمَا) أَيْ الْوَلِيَّيْنِ (الْقَاتِلُ فَقَطْ) وَكَذَّبَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ (فَالدِّيَةُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا) لِأَنَّهُ بِتَصْدِيقِهِ إيَّاهُمَا أَقَرَّ لَهُمَا بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ فَلَزِمَ وَادَّعَى بُطْلَانَ حَقِّ الشَّرِيكِ فَلَمْ يُصَدَّقْ فَتَحَوَّلَ مَالًا وَغَرِمَ الْقَاتِلُ الدِّيَةَ أَثْلَاثًا وَذَكَرَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ.
(وَإِنْ كَذَّبَهُمَا) الْقَاتِلُ بَعْدَ أَنْ كَذَّبَهُمَا الْوَلِيُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ (فَلَا شَيْءَ لَهُمَا) أَيْ لِلْوَلِيَّيْنِ الشَّاهِدَيْنِ (وَلِأَخِيهِمَا ثُلُثُ الدِّيَةِ) لِأَنَّهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ أَقَرَّا بُطْلَانَ حَقِّهِمَا فِي الْقِصَاصِ فَصَحَّ إقْرَارُهُمَا فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا وَادَّعَيَا انْقِلَابَهُ مَالًا فَلَا تُصَدَّقُ دَعْوَاهُمَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلِلْوَلِيِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِأَنَّ دَعْوَاهُمَا عَلَيْهِ الْعَفْوَ وَهُوَ يُنْكِرُ فَيَنْقَلِبُ نَصِيبُهُ مَالًا لِأَنَّ سُقُوطَ الْقِصَاصِ مُضَافٌ إلَيْهِمَا وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ.
(وَإِنْ صَدَّقَهُمَا أَخُوهُمَا فَقَطْ) دُونَ الْقَاتِلِ (غَرِمَ الْقَاتِلُ لَهُ) أَيْ لِلْأَخِ (ثُلُثَ الدِّيَةِ) يَعْنِي يَغْرَمُ الْقَاتِلُ ثُلُثَ الدِّيَةِ وَهُوَ نَصِيبُ الشَّرِيكِ (ثُمَّ يَأْخُذَانِهِ) أَيْ يَأْخُذُ الْمُخْبِرَانِ الثُّلُثَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الشَّرِيكِ الْمُصَدَّقِ لِأَنَّ زَعْمَ الشَّرِيكِ أَنَّهُ عَفَا بِتَصْدِيقِ الْمُخْبِرَيْنِ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ وَلَهُمَا عَلَى الْقَاتِلِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَمَا فِي يَدِ الشَّرِيكِ وَهُوَ ثُلُثُ الدِّيَةِ مَالُ الْقَاتِلِ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمَا فَيُصْرَفُ إلَيْهِمَا لِإِقْرَارِهِ لَهُمَا بِذَلِكَ كَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ: عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: لَيْسَ ذَلِكَ لِي وَإِنَّمَا هُوَ لِفُلَانٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يُصْرَفُ إلَيْهِ فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا كُلُّهُ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْقَاتِلَ شَيْءٌ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْقَاتِلِ لَمْ يَثْبُتْ لِإِنْكَارِهِ وَمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاتِلُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَدْ بَطَلَ بِإِقْرَارِهِ بِالْعَفْوِ لِكَوْنِهِ تَكْذِيبًا لَهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَاتِلَ بِتَكْذِيبِهِ لِلشَّاهِدَيْنِ قَدْ أَقَرَّ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ لِزَعْمِهِ أَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ سَقَطَ بِشَهَادَتِهِمَا كَمَا إذَا عَفَا وَالْمُقَرُّ لَهُ مَا كَذَّبَ الْقَاتِلَ حَقِيقَةً بَلْ أَضَافَ الْوُجُوبَ إلَى غَيْرِهِ فَجَعَلَ الْوَاجِبَ لِلشَّاهِدَيْنِ وَفِي مِثْلِهِ لَا يَرْتَدُّ الْإِقْرَارُ كَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ: عَلَيَّ كَذَا فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: لَيْسَ لِي وَلَكِنَّهُ لِفُلَانٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَإِنْ اخْتَلَفَ شَاهِدَا الْقَتْلِ فِي زَمَانِهِ) أَيْ زَمَانِ الْقَتْلِ (أَوْ مَكَانِهِ أَوْ) فِي (آلَتِهِ) بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَتَلَهُ بِعَصًا وَقَالَ الْآخَرُ: قَتَلَهُ بِالسَّيْفِ (أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: ضَرَبَهُ بِعَصًا وَقَالَ الْآخَرُ: لَا أَدْرِي بِمَاذَا قَتَلَهُ بَطَلَتْ) شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَكَرَّرُ فَالْقَتْلُ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان غَيْرُ الْقَتْلِ فِي زَمَانٍ آخَرَ وَمَكَانٍ آخَرَ وَكَذَا الْقَتْلُ بِآلَةٍ غَيْرُ الْقَتْلِ بِآلَةٍ أُخْرَى وَتَخْتَلِفُ الْأَحْكَامُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ فَكَانَ عَلَى كُلِّ قَتْلٍ شَهَادَةُ فَرْدٍ فَلَمْ تُقْبَلْ وَلِأَنَّ اتِّفَاقَ الشَّاهِدَيْنِ شَرْطٌ لِلْقَبُولِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ تَيَقَّنَ كَذِبَ أَحَدِهِمَا لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ مَا ذُكِرَ وَإِذَا بَيَّنَ أَحَدُهُمَا الْآلَةَ وَقَالَ الْآخَرُ: لَا أَدْرِي بِمَاذَا قَتَلَهُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا أَيْضًا لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُغَايِرُ الْمُقَيَّدَ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُوجِبُ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ وَالْمُقَيَّدَ يُوجِبُ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَاخْتَلَفَ حُكْمُهُمَا كَالصُّورَةِ الْأُولَى فَلَا تُقْبَلُ وَأَمَّا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْقَتْلِ مُعَايَنَةً وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الْقَاتِلِ كَانَ بَاطِلًا لِاخْتِلَافِ الْمَشْهُودِ بِهِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا فِعْلٌ وَالْآخَرَ قَوْلٌ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ قَوْلٍ وَفِعْلٍ وَكَذَا تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ لَوْ كَمُلَ النِّصَابُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَآخَرَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ شَهِدَا كَذَلِكَ فِي الْمَكَانِ لِتَيَقُّنِ الْقَاضِي بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ وَعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِالْقَبُولِ وَلَوْ كَمَّلَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ دُونَ الْآخَرِ قُبِلَ الْكَامِلُ مِنْهُمَا لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ كَمَا فِي الْمِنَحِ.
(وَإِنْ شَهِدَا بِالْقَتْلِ وَجَهِلَا الْآلَةَ) بِأَنْ قَالَا: لَا نَدْرِي بِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلَهُ (لَزِمَ الدِّيَةُ) اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ فَجُهِلَ الْمَشْهُودُ بِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ وَالْمُطْلَقُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ فَيَجِبُ أَقَلُّ مُوجِبِهِ وَهُوَ الدِّيَةُ وَلِأَنَّهُ يُحْمَلُ إجْمَالُهُمْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى إجْمَالِهِمْ بِالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ سَتْرًا عَلَيْهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ سَائِغٌ شَرْعًا لِأَنَّ الشَّرْعَ أَجَازَ الْكَذِبَ فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ «لَيْسَ بِكَذَّابٍ مِنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَقَالَ خَيْرًا» فَهَذَا مِثْلُهُ أَوْ أَحَقُّ مِنْهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْكَامِلِ فَلَا يَثْبُتُ الْخَطَأُ بِالشَّكِّ.
(وَلَوْ أَقَرَّ كُلُّ) وَاحِدٍ (مِنْ رَجُلَيْنِ بِقَتْلِ زَيْدٍ وَقَالَ وَلِيُّهُ: قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا فَلَهُ) أَيْ لِلْوَلِيِّ (قَتْلُهُمَا) جَمِيعًا لِأَنَّ تَكْذِيبَ الْوَلِيِّ فِي بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ وَهُوَ الِانْفِرَادُ بِالْقَتْلِ لَا يُبْطِلُ الْإِقْرَارَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ التَّفْسِيقُ لِأَنَّ فِسْقَ الْمُقِرِّ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ وَكَذَا لَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِأَحَدِهِمَا: أَنْتَ قَتَلْتَهُ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ دُونَ الْآخَرِ وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ فِي صُورَةِ الْإِقْرَارِ صَدَقْتُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي الِانْفِرَادَ بِالْقَتْلِ فَتَصْدِيقُهُ يُوجِبُ ذَلِكَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: قَتَلْتَهُ وَحْدَك وَلَمْ يُشَارِكَ فِيهِ أَحَدٌ كَمَا تَقُولُ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِأَنَّ الْآخَرَ لَمْ يَقْتُلْهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ: قَتَلْتُمَاهُ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ فَيَقْتُلُهُمَا بِإِقْرَارِهِمَا وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ كِلَاهُمَا كَانَ لِلْوَلِيِّ قَتْلُ الْمُقِرِّ دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِأَحَدِ الْمُقِرِّينَ: صَدَقْت أَنْتَ قَتَلْتَهُ وَحْدَك كَانَ لَهُ قَتْلُهُ كَمَا إذَا قَالَ ذَلِكَ لِأَحَدِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِقَتْلِهِ خَطَأً وَحُكِمَ بِالدِّيَةِ وَجَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا ضَمَّنَتْ الْعَاقِلَةُ الْوَلِيَّ أَوْ الشُّهُودَ وَرَجَعَ الشُّهُودُ عَلَى الْوَلِيِّ وَالْعَمْدُ كَالْخَطَأِ إلَّا فِي الرُّجُوعِ وَلَوْ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِهِ أَوْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمَا فِي الْخَطَأِ لَمْ يَضْمَنَا وَضَمِنَ الْوَلِيُّ الدِّيَةَ لِلْعَاقِلَةِ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ.
(وَلَوْ شَهِدَا بِقَتْلِ زَيْدٍ عُمَرَ أَوْ) شَهِدَ (آخَرَانِ بِقَتْلِ بَكْرٍ إيَّاهُ وَادَّعَى وَلِيُّهُ قَتْلَهُمَا لَغَتَا) أَيْ الشَّهَادَتَانِ لِأَنَّ تَكْذِيبَ الْوَلِيِّ الشَّاهِدَ فِي بَعْضِ مَا شَهِدَ بِهِ وَهُوَ الِانْفِرَادُ فِي الْقَتْلِ يُبْطِلُ الشَّهَادَةَ أَصْلًا لِأَنَّ التَّكْذِيبَ تَفْسِيقٌ وَفِسْقُ الشَّاهِدِ يَمْنَعُ الْقَبُولَ.
(وَالْعِبْرَةُ بِحَالَةِ الرَّمْيِ) لِأَنَّ الرَّمْيَ فِعْلُ الرَّامِي وَلَا فِعْلَ لَهُ بَعْدَهُ يُوجِبُ اعْتِبَارَ حَالِهِ فِي حَقِّ الْمَحَلِّ وَالضَّمَانِ عِنْدَ ذَلِكَ (لَا الْوُصُولِ) أَيْ لَيْسَ الْمُعْتَبَرُ حَالَةَ الْوُصُولِ (فِي تَبَدُّلِ حَالِ الْمَرْمِيِّ عِنْدَ الْإِمَامِ فَلَوْ رَمَى مُسْلِمًا) عَمْدًا (فَارْتَدَّ فَوَصَلَ) السَّهْمُ (إلَيْهِ فَمَاتَ تَجِبُ الدِّيَةُ) عِنْدَهُ لِأَنَّ التَّضْمِينَ لِوَرَثَةِ الْمُرْتَدِّ لِكَوْنِهِ مَعْصُومًا وَقْتَ الرَّمْيِ لَا الْقِصَاصِ لِانْدِرَائِهِ بِالشُّبْهَةِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ لَا شَيْءَ عَلَى الرَّامِي لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي مَحَلٍّ غَيْرِ مَعْصُومٍ فَيَكُونُ هَدَرًا وَلِأَنَّ الْمَرْمِيَّ إلَيْهِ كَانَ مُبَرِّئًا بِالِارْتِدَادِ عَنْ مُوجِبِهِ كَمَا إذَا أَبْرَأَ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ.
(وَلَوْ رَمَى مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ قَبْلَ الْوُصُولِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ اتِّفَاقًا) وَكَذَا إذَا رَمَى حَرْبِيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ لِأَنَّ الرَّمْيَ مَا انْعَقَدَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ لِعَدَمِ تَقَوُّمِ الْمَحَلِّ فَلَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا بِصَيْرُورَتِهِ مُتَقَوِّمًا بَعْدَ ذَلِكَ.
(وَإِنْ رَمَى عَبْدًا فَأُعْتِقَ فَوَصَلَ) السَّهْمُ إلَيْهِ بَعْدَ مَا أُعْتِقَ (فَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّامِي (قِيمَتُهُ عَبْدًا) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَاتِلًا مِنْ وَقْتِ الرَّمْيِ وَقَدْ صَارَ هُوَ مَمْلُوكًا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) عَلَيْهِ (فَضْلُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَرْمِيًّا وَغَيْرَ مَرْمِيٍّ) لِأَنَّ تَوَجُّهَ السَّهْمِ عَلَيْهِ أَوْجَبَ إشْرَافَهُ عَلَى الْهَلَاكِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ الرَّمْيِ أَلْفًا وَبَعْدَهُ ثَمَانَمِائَةٍ يَلْزَمُ الرَّامِيَ مِائَتَانِ وَقَالَ زُفَرُ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ لِأَنَّ الرَّمْيَ يَصِيرُ عِلَّةً عِنْدَ الْإِصَابَةِ إذْ عِلَّةُ الْإِتْلَافِ لَا تَصِيرُ مِنْ غَيْرِ تَلَفٍ يَتَّصِلُ بِهِ وَقَدْ تَلِفَ بِهِ الْحَيُّ.
(وَإِنْ رَمَى مُحْرِمٌ صَيْدًا فَحَلَّ) مِنْ إحْرَامِهِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ (فَوَصَلَ) السَّهْمُ إلَى الصَّيْدِ فَقَتَلَهُ (وَجَبَ الْجَزَاءُ) إذْ الِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ الرَّمْيِ (وَإِنْ رَمَاهُ حَلَالٌ فَأَحْرَمَ) بَعْدَ الرَّمْيِ (فَوَصَلَ) السَّهْمُ إلَى الصَّيْدِ فَقَتَلَهُ (فَلَا) يَجِبُ الْجَزَاءُ لِأَنَّ رَمْيَهُ وَقَعَ حَالَ كَوْنِهِ حَلَالًا وَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ السَّهْمُ بَعْدَ إحْرَامِهِ.
(وَإِنْ رَمَى مَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِرَجْمٍ) أَيْ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِرَجْمِ رَجُلٍ فَرَمَاهُ رَجُلٌ (فَرَجَعَ شُهُودُهُ) بَعْدَ الرَّمْيِ (فَوَصَلَ) بَعْدَ رُجُوعِ الشُّهُودِ (لَا يَضْمَنُ) الرَّامِي لِمَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةَ الرَّمْيِ وَهُوَ مُبَاحُ الدَّمِ فِيهَا.
(وَلَوْ رَمَى مُسْلِمٌ صَيْدًا فَتَمَجَّسَ) أَيْ صَارَ مَجُوسِيًّا (فَوَصَلَ حِلَّ) الصَّيْدِ (وَفِي الْعَكْسِ) يَعْنِي لَوْ رَمَى مَجُوسِيٌّ صَيْدًا فَأَسْلَمَ فَوَصَلَ (يَحْرُمُ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الرَّمْيِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ وَذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا عَدَلَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَنْ ذَلِكَ فِيمَا إذَا رَمَى إلَى مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ الْإِصَابَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ صَارَ مُبَرِّئًا لَهُ بِالرِّدَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ كَمَا فِي الْمِنَحِ.

.كِتَابُ الدِّيَاتِ:

وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي ذِكْرِ الدِّيَاتِ بَعْدَ الْجِنَايَاتِ كَوْنُ الدِّيَةِ إحْدَى مُوجِبَيْ الْجِنَايَةِ الْمَشْرُوعَيْنِ لِلصِّيَانَةِ وَلَمَّا كَانَ الْقِصَاصُ أَشَدَّ صِيَانَةً قُدِّمَ مُوجِبُهُ وَالدِّيَاتُ جَمْعُ دِيَةٍ وَهُوَ مَصْدَرٌ وَدَى الْقَاتِلُ الْمَقْتُولَ إذَا أَعْطَى وَلِيَّهُ الْمَالَ الَّذِي هُوَ بَدَلُ النَّفْسِ قَالَ الْمَوْلَى الْمَعْرُوفُ بِأَخِي جَلْبِي: ثُمَّ قِيلَ لِذَلِكَ الْمَالِ دِيَةٌ تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ وَوَاوُهَا مَحْذُوفَةٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ مِنْ الْإِبِلِ مِائَةٌ أَرْبَاعًا) يَعْنِي أَنَّ الدِّيَةَ الْمُغَلَّظَةَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ تَكُونُ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ بَيْنَهَا بِقَوْلِهِ (بَنَاتُ مَخَاضٍ وَبَنَاتُ لَبُونٍ وَحِقَاقٌ وَجِذَاعٌ) قَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُ الْكُلِّ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ (مِنْ كُلٍّ) أَيْ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا (خَمْسٌ وَعِشْرُونَ) فَيَكُونُ جُمْلَتُهَا مِائَةً هَذَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ (ثَلَاثُونَ حِقَّةٌ وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ ثَنِيَّةً) قَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُهَا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ أَيْضًا (كُلُّهَا) أَيْ كُلُّ الثَّنِيَّاتِ (خَلِفَاتٌ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَالْفَاءِ جَمْعُ خِلْفَةٍ وَهِيَ الْحَامِلُ مِنْ النُّوقِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ (فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ.
وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ تَغْلِيظَ الدِّيَةِ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ التَّغْلِيظِ فَعِنْدَ الشَّيْخَيْنِ مَا ذُكِرَ أَوَّلًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ مَا ذُكِرَ ثَانِيًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إلَّا أَنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ فِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» وَلِأَنَّ دِيَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ أَغْلَظُ مِنْ دِيَةِ الْخَطَأِ الْمَحْضِ وَدَلِيلُ الشَّيْخَيْنِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ الثَّابِتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ هَذَا وَمَا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ غَيْرُ ثَابِتٍ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي صِفَةِ التَّغْلِيظِ فَإِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَا وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: تَجِبُ أَثْلَاثًا ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ خَلِفَةً وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِثْلَ مَا قُلْنَا وَلَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِي الْمَقَادِيرِ فَكَانَ كَالْمَرْفُوعِ وَصَارَ مُعَارِضًا بِمَا رَوَيَاهُ وَإِذَا تَعَارَضَا كَانَ الْأَخْذُ بِالْأَدْنَى وَهُوَ الْمُتَيَقَّنُ أَوْلَى.
وَفِي النِّهَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ احْتَجَّا بِحَدِيثِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي الدِّيَةِ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَاعًا» وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْخَطَأَ لِأَنَّهَا فِي الْخَطَأِ تَجِبُ أَخْمَاسًا فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ شِبْهُ الْعَمْدِ عَلَى أَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «فِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَالْمُرَادُ أَدْنَى مَا يَكُونُ مِنْهُ فَكَانَ مَا قُلْنَاهُ أَوْلَى وَلِأَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَجِبُ عِوَضًا وَالْحَامِلُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَسْتَحِقَّ بِشَيْءٍ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ صِفَةَ الْحَمْلِ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَالثَّانِي أَنَّ الْجَنِينَ مِنْ وَجْهٍ كَالْمُنْفَصِلِ فَيَكُونُ هَذَا فِي مَعْنَى إيجَابِ الزَّائِدِ عَلَى الْمِائَةِ عَدَدًا وَبِالِاتِّفَاقِ لَيْسَ التَّغْلِيظُ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ بَلْ مِنْ حَيْثُ السِّنُّ ثُمَّ إنَّ الدِّيَاتِ تُعْتَبَرُ بِالصَّدَقَاتِ وَالشَّرْعُ نَهَى عَنْ أَخْذِ الْحَوَامِلِ فِي الصَّدَقَاتِ لِأَنَّهَا كَرَائِمُ أَمْوَالِ النَّاسِ فَكَذَلِكَ فِي الدِّيَاتِ (وَلَا تَغْلِيظَ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ) يَعْنِي لَا يُزَادُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عَلَى عَشْرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ أَلْفِ دِينَارٍ (وَهِيَ) أَيْ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ (فِي شِبْهِ الْعَمْدِ) لِمَا رُوِيَ مِنْ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إلَّا أَنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ فِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ».
(وَ) الدِّيَةُ (الْمُخَفَّفَةُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ أَلْفُ دِينَارٍ (وَهِيَ) أَيْ الدِّيَةُ الْمُخَفَّفَةُ (فِي الْخَطَأِ وَمَا بَعْدَهُ) مِمَّا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ وَالْقَتْلِ بِتَسَبُّبٍ (مِنْ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ) قِيمَةُ كُلِّ دِينَارٍ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ فَقَوْلُهُ مِنْ الذَّهَبِ حَالٌ مِنْ أَلْفٍ قُدِّمَتْ عَلَى صَاحِبِهَا (وَمِنْ الْوَرِقِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْفِضَّةُ (عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: اثْنَا عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَضَى بِالدِّيَةِ فِي قَتِيلٍ بِعَشْرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ» وَمَا قُلْنَاهُ أَوْلَى لِلتَّيَقُّنِ بِهِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ وَيُحْمَلُ مَا رَوَاهُ عَلَى وَزْنِ خَمْسَةٍ وَمَا رَوَيْنَاهُ عَلَى وَزْنِ سِتَّةٍ وَهَكَذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مِنْ زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إلَى زَمَانِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى مَا حَكَاهُ الْخَبَّازِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: كَانَتْ الدَّرَاهِمُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَلَاثَةً الْوَاحِدُ مِنْهَا وَزْنُ عَشْرَةٍ أَيْ الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنُ عَشْرَةِ دَنَانِيرَ فَيَكُونُ الْوَاحِدَةُ قَدْرَ دِينَارٍ وَالثَّانِي وَزْنُ سِتَّةٍ أَيْ الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنُ سِتَّةِ دَنَانِيرَ وَالثَّالِثُ وَزْنُ خَمْسَةِ أَيْ الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنُ خَمْسَةِ دَنَانِيرَ فَجَمَعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ فَخَلَطَهُ فَجَعَلَهُ ثُلُثَ دِرْهَمٍ فَصَارَ ثُلُثَ الْمَجْمُوعِ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ فَلْيُرَاجَعْ (وَمِنْ الْإِبِلِ مِائَةٌ) قِيمَةُ كُلِّ إبِلٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ حَالَ كَوْنِهَا (أَخْمَاسًا مِنْ ابْنِ مَخَاضٍ) ذَكَرٍ (وَبِنْتِ مَخَاضٍ وَبِنْتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٍ وَجَذَعَةٍ مِنْ كُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهَا (عِشْرُونَ) لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فِي دِيَةِ الْخَطَأِ عِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ أَخْذًا بِمَذْهَبِنَا غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: يَجِبُ عِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنِ مَخَاضٍ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ (وَلَا دِيَةَ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْأَمْوَالِ) أَيْ مِنْ النَّقْدَيْنِ وَالْإِبِلِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْغَيْرِ مَجْهُولَةٌ فَلَا يَجُوزُ التَّقْدِيرُ وَأَمَّا التَّقْدِيرُ فَمَعْرُوفٌ بِالْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ (وَقَالَا مِنْهَا) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ (وَمِنْ الْبَقَرِ أَيْضًا مِائَتَا بَقَرَةٍ) قِيمَةُ كُلِّ بَقَرَةٍ خَمْسُونَ (وَمِنْ الْغَنَمِ أَلْفَا شَاةٍ) كُلُّ شَاةٍ خَمْسٌ (وَمِنْ الْحُلَلِ مِائَتَا حُلَّةٍ كُلُّ حُلَّةٍ ثَوْبَانِ) أَيْ إزَارٌ وَرِدَاءٌ قِيمَةُ كُلِّ حُلَّةٍ خَمْسُونَ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ هَكَذَا جَعَلَ عَلَى أَهْلِ كُلِّ مَالٍ مِنْهَا.
(وَكَفَّارَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ) وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ (عِتْقُ) أَيْ إعْتَاقُ (رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْإِعْتَاقِ (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} وَشِبْهُ الْعَمْدِ خَطَأٌ فِي حَقِّ الْقَتْلِ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فِي حَقِّ الضَّرْبِ فَتَتَنَاوَلُهُمَا الْآيَةُ (وَلَا إطْعَامَ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْكَفَّارَةِ لِعَدَمِ وُرُودِ النَّصِّ بِهِ وَالْمَقَادِيرُ لَا تَجِبُ إلَّا سَمَاعًا (وَصَحَّ إعْتَاقُ رَضِيعٍ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ) لِلْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُؤْمِنًا بِالتَّبَعِيَّةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا» وَلَا يُقَالُ كَيْفَ اكْتَفَى هُنَا بِالظَّاهِرِ فِي سَلَامَةِ أَطْرَافِهِ حَتَّى أَجَازَ التَّكْفِيرَ بِهِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ فِي حَقِّ وُجُوبِ الضَّمَانِ بِإِتْلَافِ أَطْرَافِهِ لِأَنَّا نَقُولُ: الْحَاجَةُ فِي التَّكْفِيرِ إلَى دَفْع الْوَاجِبِ وَالظَّاهِرُ يَصْلُحُ حُجَّةً لِلدَّفْعِ وَالْحَاجَةِ فِي الْإِتْلَافِ إلَى إلْزَامِ الضَّمَانِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً فِيهِ وَلِأَنَّهُ يُظْهِرُ حَالَ الْأَطْرَافِ فِيمَا بَعْدَ التَّكْفِيرِ إذَا عَاشَ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْإِتْلَافِ فَافْتَرَقَا (لَا) إعْتَاقُ (الْجَنِينِ) لِأَنَّهُ لَمْ تُعْرَفْ حَيَاتُهُ وَلَا سَلَامَتُهُ بَعْدُ.
(وَ) الدِّيَةُ (لِلْمَرْأَةِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا نِصْفُ مَا لِلرَّجُلِ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَنْتَصِفُ الثُّلُثُ وَمَا دُونَهُ يَعْنِي إذَا كَانَ الْأَرْشُ بِقَدْرِ ثُلُثِ الدِّيَةِ أَوْ دُونَ ذَلِكَ فَالْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ فِيهِ سَوَاءٌ وَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَحَالُهَا فِيهِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَالِ الرَّجُلِ (وَ) يَجِبُ (لِلذِّمِّيِّ مِثْلُ مَا لِلْمُسْلِمِ) فِي النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «دِيَةُ كُلِّ ذِي عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ وَلِتَسَاوِيهِمَا فِي الْحَيَاةِ وَالْعِصْمَةِ» وَكَذَا حُكْمُ الْمُسْتَأْمَنِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَعَلَ دِيَتَهُ كَالذِّمِّيِّ» وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ دِيَةُ الْكِتَابِيِّ دِيَةُ ثُلُثِ الْمُسْلِمِ وَهِيَ أَرْبَعُ آلَافِ دِرْهَمٍ إذْ دِيَةُ الْمُسْلِمِ عِنْدَهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ كَمَا ذُكِرَ وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ خُمْسُ ثُلُثِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَهُوَ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَعِنْدَ مَالِكٍ دِيَةُ الْكِتَابِيِّ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَهُوَ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ إذْ دِيَةُ الْمُسْلِمِ عِنْدَهُ أَيْضًا اثْنَا عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.

.فَصَلِّ فِي دِيَةَ النَّفْسِ:

إنَّمَا ذَكَرَ دِيَةَ النَّفْسِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ مَعَ أَنَّهُ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ أَحْكَامِ الدِّيَةِ فِيمَا هُوَ تَبَعٌ لَهَا وَهُوَ الْأَطْرَافُ تَمْهِيدًا لِذِكْرِ مَا بَعْدَهُ وَتَبَرُّكًا بِلَفْظِ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «فِي النَّفْسِ الدِّيَةُ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ وَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ» فَلِهَذَا قَالَ.
(وَكَذَا فِي الْمَارِنِ) وَهُوَ مَارِنُ الْأَنْفِ الدِّيَةُ.
(وَ) كَذَا (فِي اللِّسَانِ) الدِّيَةُ (إنْ مَنَعَ النُّطْقَ) لِفَوَاتِ مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ وَهُوَ النُّطْقُ وَكَذَا فِي قَطْعِ بَعْضِهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْكَلَامِ وَلَوْ قَدِرَ عَلَى التَّكَلُّمِ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ دُونَ الْبَعْضِ تُقَسَّمُ الدِّيَةُ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ وَقِيلَ عَلَى عَدَدِ حُرُوفٍ تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ وَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ حَرْفًا التَّاءُ وَالثَّاءُ وَالْجِيمُ وَالدَّالُ وَالذَّالُ وَالرَّاءُ وَالزَّايُ وَالسِّينُ وَالشِّينُ وَالصَّادُ وَالضَّادُ وَالطَّاءُ وَالظَّاءُ وَاللَّامُ وَالنُّونُ وَالْيَاءُ فَمَا أَصَابَ الْفَائِتَ يَلْزَمُهُ وَقِيلَ إنْ قَدِرَ عَلَى أَدَاءِ أَكْثَرِ الْحُرُوفِ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِحُصُولِ الْإِفْهَامِ مَعَ الْإِخْلَالِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ الْأَكْثَرِ يَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ الْإِفْهَامُ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِهَذَا قَالَ (أَوْ) مَنَعَ (أَدَاءَ أَكْثَرِ الْحُرُوفِ) لِتَفْوِيتِ مَنْفَعَةِ الْإِفْهَامِ.
(وَفِي الصُّلْبِ) الدِّيَةُ (إنْ مَنَعَ الْجِمَاعَ) وَقَطَعَ الْمَاءَ (وَفِي الْإِفْضَاءِ) الدِّيَةُ (إذَا مَنَعَ اسْتِمْسَاكَ الْبَوْلِ) لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْمَنَافِعِ (وَفِي الذَّكَرِ) الدِّيَةُ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ الْوَطْءُ وَالْإِيلَادُ وَاسْتِمْسَاكُ الْبَوْلِ وَالرَّمْيُ بِهِ وَدَفْقُ الْمَاءِ وَالْإِيلَاجُ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ الْإِعْلَاقِ عَادَةً.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ قَطَعَ الذَّكَرَ مِنْ أَصْلِهِ إنْ خَطَأً فِدْيَةٌ وَإِنْ عَمْدًا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا.
وَفِي الْمُنْتَقَى لَا قِصَاصَ فِيهِ قَالُوا: وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ فِي الْحَشَفَةِ الْقِصَاصَ وَإِذَا قَطَعَ بَعْضَهَا فَلَا قِصَاصَ (وَفِي حَشَفَتِهِ) أَيْ حَشَفَةِ الذَّكَرِ الدِّيَةُ لِأَنَّهَا أَصْلٌ فِي مَنْفَعَةِ الْإِيلَاجِ وَالدَّفْقِ وَالْقَصَبَةُ كَالتَّابِعِ لَهَا.
(وَفِي الْعَقْلِ) الدِّيَةُ إذَا ذَهَبَ بِالضَّرْبِ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْإِدْرَاكِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ بِالْعَقْلِ يَمْتَازُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَبِهِ يَنْتَفِعُ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ.
(وَفِي السَّمْعِ وَفِي الْبَصَرِ وَفِي الشَّمِّ وَفِي الذَّوْقِ) يَعْنِي فِي كُلٍّ مِنْهَا الدِّيَةُ كَامِلَةٌ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَضَى لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَتْ عَلَى رَأْسِهِ فَذَهَبَ عَقْلُهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَكَلَامُهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا لَمْ يُعْرَفْ الذَّهَابُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَقِيلَ: ذَهَابُ الْبَصَرِ يَعْرِفُهُ الْأَطِبَّاءُ فَيَكُونُ قَوْلُ رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ عَدْلَيْنِ حُجَّةً فِيهِ وَقِيلَ: يَسْتَقْبِلُ بِهِ الشَّمْسَ مَفْتُوحَ الْعَيْنِ فَإِذَا دَمَعَتْ عَيْنُهُ عُلِمَ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ: يُلْقَى بَيْنَ يَدَيْهِ حَيَّةٌ فَإِنْ هَرَبَ مِنْهَا عُلِمَ أَنَّهَا لَمْ تَذْهَبْ وَإِنْ لَمْ يَهْرُبْ فَهِيَ ذَاهِبَةٌ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ السَّمْعِ أَنْ يُغَافَلَ ثُمَّ يُنَادَى فَإِنْ أَجَابَ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ وَإِنْ لَمْ يُجِبْ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَرُوِيَ عَنْ إسْمَاعِيلِ بْنِ حَمَّادٍ أَنَّ امْرَأَةً ادَّعَتْ أَنَّهَا لَا تَسْمَعُ وَتَطَارَشَتْ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ فَاشْتَغَلَ بِالْقَضَاءِ عَنْ النَّظَرِ إلَيْهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا فَجْأَةً غَطِّي عَوْرَتَك فَاضْطَرَبَتْ وَتَسَارَعَتْ إلَى جَمِيعِ ثِيَابِهَا فَظَهَرَ كَذِبُهَا.
(وَفِي اللِّحْيَةِ إنْ لَمْ تَنْبُتْ) الدِّيَةُ.
(وَ) كَذَلِكَ (فِي شَعْرِ الرَّأْسِ) الدِّيَةُ إنْ لَمْ يَنْبُتْ لِأَنَّهُ أَزَالَ جَمَالًا عَلَى الْكَمَالِ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ وَتَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي الْآدَمِيِّ وَلِهَذَا يَنْمُو بَعْدَ كَمَالِ الْخَلْقِ وَلِهَذَا يَحْلِقُ الرَّأْسَ وَاللِّحْيَةَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِمَا الدِّيَةُ كَشَعْرِ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ إذْ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ مَنْفَعَةٌ وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الرَّأْسِ إذَا حُلِقَ وَلَمْ يَنْبُتْ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ وَالْمَوْقُوفُ فِي مِثْلِ هَذَا كَالْمَرْفُوعِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَقَادِيرِ فَلَا يُهْتَدَى إلَيْهِ بِالرَّأْيِ وَأَمَّا لِحْيَةُ الْعَبْدِ وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ كَمَالُ الْقِيمَةِ فَلَا يَلْزَمُنَا وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الِاسْتِخْدَامُ دُونَ الْجَمَالِ وَهُوَ لَا يَفُوتُ بِالْحَلْقِ بِخِلَافِ الْحُرِّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ فِي حَقِّهِ الْجَمَالُ فَيَجِبُ بِفَوَاتِهِ كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي الشَّارِبِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَإِنَّمَا وَجَبَ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلِّحْيَةِ وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي بَعْضِ اللِّحْيَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إذَا كَانَ دُونَ النِّصْفِ أَمَّا إذَا كَانَ النِّصْفُ فَالْوَاجِبُ بِهِ نِصْفُ الدِّيَةِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَذَكَرَ الْفَضْلِيُّ نَتْفُ لِحْيَتِهِ يُنْظَرُ إلَى الذَّاهِبِ وَإِلَى الْبَاقِي فَيَجِبُ بِحِسَابِهِ وَإِذَا نَبَتَ بَعْضُ اللِّحْيَةِ فَحُكُومَةُ عَدْلٍ انْتَهَى.
(وَكَذَا الْحَاجِبَانِ) يَجِبُ فِيهِمَا الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عِنْدُهُمَا حُكُومَةُ عَدْلٍ.
(وَ) كَذَا (الْأَهْدَابُ) لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِهَا الْجَمَالُ عَلَى الْكَمَالِ وَجِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ دَفْعُ الْقَذَى عَنْ الْعَيْنَيْنِ.
(وَفِي الْعَيْنَيْنِ) الدِّيَةُ لِأَنَّ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِمَا (وَفِي الْأُذُنَيْنِ وَفِي الشَّفَتَيْنِ وَفِي ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ) إنَّمَا قَيَّدَ بِثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةِ الْإِرْضَاعِ بِخِلَافِ ثَدْيَيْ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةٍ وَلَا الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ فَتَجِبُ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَفِي حَلَمَتَيْ الْمَرْأَةِ كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ.
(وَفِي الْيَدَيْنِ وَفِي الرِّجْلَيْنِ وَفِي أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ) جَمْعُ شَفْرٍ وَهُوَ مَنْبِتُ الْأَهْدَابِ مِنْ طَرَفِ الْجَفْنِ أُخِذَ مِنْ شَفِيرِ الْوَادِي وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِيمَا ذَكَرَ لِفَوَاتِ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ.
(وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا هُوَ اثْنَانِ فِي الْبَدَنِ) كَالْأُذُنِ وَالشَّفَةِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ مَثَلًا (نِصْفُ الدِّيَةِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَفِي الْعَيْنَيْنِ كُلُّ الدِّيَةِ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَلِأَنَّ فِي تَفْوِيتِ الِاثْنَيْنِ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَكَمَالِ الْجَمَالِ فَيَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ وَفِي تَفْوِيتِ إحْدَاهُمَا تَفْوِيتُ النِّصْفِ فَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ.
(وَ) فِي كُلِّ وَاحِدٍ (مِمَّا هُوَ أَرْبَعَةٌ) مِنْ الْبَدَنِ (رُبْعُهَا) أَيْ رُبْعُ الدِّيَةِ كَالْأَشْفَارِ (وَفِي كُلِّ إصْبَعٍ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ عُشْرُهَا) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «فِي كُلِّ إصْبَعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ» (وَفِي كُلِّ مِفْصَلٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَصَابِعِ (مِمَّا فِيهِ مِفْصَلَانِ) كَالْإِبْهَامِ (نِصْفُ عُشْرِهَا) أَيْ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ (وَمِمَّا فِيهِ ثَلَاثَةُ مَفَاصِلَ) كَبَاقِي الْأَصَابِعِ فِي كُلِّ مِفْصَلٍ (ثُلُثُهُ) أَيْ ثُلُثُ عُشْرِ الدِّيَةِ تَنْقَسِمُ عُشْرُ الدِّيَةِ عَلَى الْمَفَاصِلِ كَانْقِسَامِ دِيَةِ الْيَدِ عَلَى الْأَصَابِعِ.
(وَفِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِهَا) وَهُوَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَمِنْ الدَّرَاهِمِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ.
(وَكُلُّ عُضْوٍ ذَهَبَ نَفْعُهُ فَفِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْعُضْوِ (دِيَتُهُ وَإِنْ كَانَ قَائِمًا كَيَدٍ شُلَّتْ وَعَيْنٍ ذَهَبَ ضَوْءُهَا) بِالضَّرْبِ لِأَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ يَتَعَلَّقُ بِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَلَا عِبْرَةَ لِلصُّورَةِ بِلَا مَنْفَعَةٍ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً فَلَا يَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الْأَرْشِ إلَّا إذَا تَجَرَّدَتْ عَنْ الْمَنْفَعَةِ قَبْلَ الْإِتْلَافِ كَإِتْلَافِ الْيَدِ الَّتِي خَلَتْ عَنْ الْبَطْشِ فَفِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ جَمَالٌ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَأَرْشُهُ كَامِلًا إنْ كَانَ فِيهِ جَمَالٌ كَالْأُذُنِ الشَّاخِصَةِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ.

.فَصْلٌ أَحْكَامَ الشِّجَاجِ:

فَصَلَ أَحْكَامَ الشِّجَاجِ بِفَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ لِتَكَاثُرِ مَسَائِلِ الشِّجَاجِ اسْمًا وَحُكْمًا وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْقَوَدُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ لِأَنَّ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ السِّكِّينُ وَمَا فَوْقَهَا كَسْرُ الْعَظْمِ وَلَا قِصَاصَ فِيهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ» هَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ (إلَّا فِي الْمُوضِحَةِ إنْ كَانَتْ عَمْدًا) بِالِاتِّفَاقِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْقِصَاصِ فِي الْمُوضِحَةِ» وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَهِيَ السِّكِّينُ إلَى الْعَظْمِ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتُرَ غَوْرَهَا بِالْمِسْبَارِ ثُمَّ يَتَّخِذَ حَدِيدَةً بِقَدْرِ ذَلِكَ فَيَقْطَعَ بِهَا مِقْدَارَ مَا قَطَعَ فَيَتَسَاوَيَانِ فَيَتَحَقَّقُ الْقِصَاصُ (وَفِيهَا) أَيْ فِي الْمُوضِحَةِ (خَطَأً نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ) لِمَا رُوِيَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» (وَهِيَ) أَيْ الْمُوضِحَةُ الشَّجَّةُ (الَّتِي تُوَضِّحُ الْعَظْمَ) أَيْ تُبَيِّنُهُ.
(وَفِي الْهَاشِمَةِ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ لِلْمُبْتَدَأِ الْآتِي وَهُوَ قَوْلُهُ عُشْرُهَا (وَهِيَ) أَيْ الْهَاشِمَةُ الشَّجَّةُ (الَّتِي تُهَشِّمُ الْعَظْمَ) أَيْ تَكْسِرُهَا (عُشْرُهَا) أَيْ عُشْرُ الدِّيَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «وَفِي الْهَاشِمَةِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ».
(وَفِي الْمُنَقِّلَةِ وَهِيَ الَّتِي تَنْقُلُ الْعَظْمَ) أَيْ تُحَوِّلُهُ بَعْدَ الْكَسْرِ (عُشْرُهَا) أَيْ عُشْرُ الدِّيَةِ (وَنِصْفُهُ) أَيْ نِصْفُ عُشْرِهَا فَيَكُونُ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الْإِبِلِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الْإِبِلِ».
(وَفِي الْآمَّةِ وَهِيَ) الشَّجَّةُ (الَّتِي تَصِلُ إلَى أُمِّ الدِّمَاغِ) وَهِيَ الْجِلْدَةُ الرَّقِيقَةُ الَّتِي تَجْمَعُ الدِّمَاغَ (ثُلُثُهَا) أَيْ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «وَفِي الْآمَّةِ وَيُرْوَى وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ».
(وَكَذَا فِي الْجَائِفَةِ) أَيْ يَجِبُ ثُلُثُ الدِّيَةِ فِي الْجَائِفَةِ أَيْضًا وَهِيَ الْجِرَاحَةُ الَّتِي تَصِلُ إلَى الْجَوْفِ (فَإِنْ نَفَذَتْ) الْجَائِفَةُ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ (فَهُمَا جَائِفَتَانِ وَيَجِبُ ثُلُثَاهَا) أَيْ ثُلُثَا الدِّيَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ حَكَمَ فِي جَائِفَةٍ نَفَذَتْ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ وَلِأَنَّهَا إذَا نَفَذَتْ صَارَتْ جَائِفَتَيْنِ فَيَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الثُّلُثُ.
(وَفِي كُلٍّ مِنْ الْحَارِصَةِ) بِالْحَاءِ وَالرَّاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَاتِ (وَهِيَ الَّتِي تَشُقُّ الْجِلْدَ) وَلَا تُخْرِجُ الدَّمَ (وَالدَّامِعَةِ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (وَهِيَ الَّتِي تُخْرِجُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَجْرُوحِ (مَا يُشْبِهُ الدَّمْعَ) يَعْنِي تُظْهِرُ الدَّمْعَ وَلَا تَسِيلُ بَلْ يُجْمَعُ فِي مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ كَالدَّمْعِ فِي الْعَيْنِ (وَالدَّامِيَةِ وَهِيَ الَّتِي تُسِيلُ الدَّمَ) وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ الدَّامِعَةُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ شَجَّةٌ تُسِيلُ الدَّمَ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مَا يُسِيلُهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَكُونُ فِي الدَّامِيَةِ فَالدَّامِيَةُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مَا يُدْمِي الْجِلْدَ سَوَاءٌ كَانَ سَائِلًا أَوْ غَيْرَ سَائِلٍ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مَا يُدْمِيهِ وَلَا يُسِيلُهُ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ هِيَ مَا يُدْمِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسِيلَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالدَّامِعَةُ مَا يُسِيلُهُ كَدَمْعِ الْعَيْنِ (وَالْبَاضِعَةِ) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (وَهِيَ الَّتِي تُبْضِعُ الْجِلْدَ) أَيْ تَقْطَعُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْبَضْعِ وَهُوَ الْقَطْعُ (وَالْمُتَلَاحِمَةِ وَهِيَ الَّتِي تَأْخُذُ فِي اللَّحْمِ) وَتَقْطَعُهُ بَعْدَ قَطْعِ الْجِلْدِ مِنْ تَلَاحُمٍ أَيْ الْتَأَمَ وَتَلَاصَقَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَفَاؤُلًا كَمَا سُمِّيَ اللَّدِيغُ سَلِيمًا (وَالسِّمْحَاقِ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (وَهِيَ جِلْدَةٌ) رَقِيقَةٌ (فَوْقَ الْعَظْمِ) تَحْتَ اللَّحْمِ (تَصِلُ إلَيْهَا) أَيْ إلَى تِلْكَ الْجِلْدَةِ الرَّقِيقَةِ (الشَّجَّةُ حُكُومَةُ عَدْلٍ) لَا بِإِجْمَاعٍ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ خَبَرُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَفِي كُلٍّ مِنْ الْحَارِصَةِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ حُكُومَةِ عَدْلٍ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كُلٍّ مِنْهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا وَلَا يُمْكِنُ الْإِهْدَارُ فَوَجَبَ الِاعْتِبَارُ بِحُكْمِ الْعَدْلِ وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيهَا) أَيْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ أَنْوَاعِ الشِّجَاجِ (الْقِصَاصُ) إذَا كَانَ عَمْدًا (كَالْمُوضِحَةِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فِي أَوَّلِ الْمُفَصَّلِ (وَالشِّجَاجُ يَخْتَصُّ بِالْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالْجَائِفَةُ بِالْجَوْفِ وَالْجَنْبِ وَالظَّهْرِ) وَمَا كَانَ فِي غَيْرِهِمَا يُسَمَّى جِرَاحَةً لِأَنَّ الْوَارِدَ فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالْجَوْفِ وَالْجَنْبِ وَالظَّهْرِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا وَرَدَ الْحُكْمُ لِمَعْنَى الشَّيْنِ وَهُوَ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَلِهَذَا قَالَ (وَمَا سِوَى ذَلِكَ) أَيْ مَا فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالْجَوْفِ وَالْجَنْبِ وَالظَّهْرِ (جِرَاحَاتٌ) وَفِي الْهِدَايَةِ وَأَمَّا اللَّحْيَانِ فَقَدْ قِيلَ: لَيْسَا مِنْ الْوَجْهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ حَتَّى لَوْ وُجِدَ فِيمَا فِيهِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ لَا يَجِبُ الْمُقَدَّرُ وَهَذَا لِأَنَّ الْوَجْهَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمُوَاجَهَةِ وَلَا مُوَاجَهَةَ لِلنَّاظِرِ فِيهِمَا إلَّا أَنَّ عِنْدَنَا هُمَا مِنْ الْوَجْهِ لِاتِّصَالِهِمَا بِهِ مِنْ غَيْرِ فَاصِلَةٍ وَقَدْ يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْمُوَاجَهَةِ أَيْضًا (وَفِيهَا) أَيْ فِي الْجِرَاحَاتِ (حُكُومَةُ عَدْلٍ وَهِيَ) أَيْ حُكُومَةُ الْعَدْلِ عَلَى مَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ (أَنْ يَقُومَ) الْمَجْرُوحُ (عَبْدًا بِلَا هَذَا الْأَثَرِ وَمَعَهُ) أَيْ مَعَ هَذَا الْأَثَرِ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ (فَمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ وَجَبَ بِنِسْبَتِهِ مِنْ دِيَتِهِ) مَثَلًا يُفْرَضُ أَنَّ هَذَا الْحُرَّ عَبْدٌ وَقِيمَتُهُ بِلَا هَذَا الْأَثَرِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمَعَ ذَلِكَ الْأَثَرِ تِسْعُمِائَةٍ فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا مِائَةُ دِرْهَمٍ وَهُوَ عُشْرُ الْأَلْفِ فَيُؤْخَذُ هَذَا التَّفَاوُتُ مِنْ الدِّيَةِ وَهِيَ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَعَشَرَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَهُوَ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَ (بِهِ يُفْتَى) أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ بِحُكُومَةِ الْعَدْلِ وَقَيَّدَ يُفْتِي احْتِرَازًا مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ مِقْدَارَ هَذِهِ الشَّجَّةِ مِنْ الْمُوضِحَةِ فَيَجِبُ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ لِأَنَّ مَا لَا نَصَّ فِيهِ يُرَدُّ إلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ قِيلَ: قَوْلُ الْكَرْخِيِّ أَصَحُّ مِمَّا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ اعْتَبَرَ بِهَذَا الطَّرِيقِ فِيمَنْ قُطِعَ طَرَفُ سِنِّهِ.
(وَفِي) قَطْعِ (أَصَابِعِ الْيَدِ) الْوَاحِدَةِ (وَحْدَهَا أَوْ مَعَ الْكَفِّ نِصْفُ الدِّيَةِ) لِأَنَّ الْأَرْشَ لَا يَزِيدُ بِسَبَبِ الْكَفِّ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ بَلْ الْوَاجِبُ فِي كُلِّ إصْبَعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ فَيَكُونُ فِي الْخَمْسِ خَمْسُونَ وَهُوَ نِصْفُ الدِّيَةِ.
(وَ) فِي قَطْعِ الْأَصَابِعِ (مَعَ نِصْفِ السَّاعِدِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَحُكُومَةُ عَدْلٍ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى أَصَابِعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فَهُوَ تَبَعٌ إلَى الْمَنْكِبِ وَإِلَى الْفَخِذِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ فِي الْيَدِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَالْيَدُ اسْمٌ لِهَذِهِ الْجَارِحَةِ إلَى الْمَنْكِبِ فَلَا يُزَادُ عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرْعِ وَلَهُمَا أَنَّ الْيَدَ آلَةٌ بَاطِشَةٌ وَالْبَطْشُ يَتَعَلَّقُ بِالْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ دُونَ الذِّرَاعِ فَلَمْ يُجْعَلْ الذِّرَاعُ تَبَعًا فِي حَقِّ التَّضْمِينِ وَلِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَأَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِلْأَصَابِعِ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا عُضْوًا كَامِلًا وَلَا إلَى أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِلْكَفِّ لِأَنَّهُ تَابِعٌ وَلَا تَبَعَ لِلتَّبَعِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَفِي) قَطْعِ (كَفٍّ فِيهَا أُصْبُعٌ عُشْرُ الدِّيَةِ وَإِنْ) كَانَ (فِيهَا إصْبَعَانِ فَخُمْسُهَا وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ) وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْأَصَابِعَ أَصْلٌ حَقِيقَةً لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْيَدِ وَهِيَ الْقَبْضُ وَالْبَسْطُ وَالْبَطْشُ قَائِمَةٌ بِهَا وَكَذَا حُكْمًا لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَعَلَ الدِّيَةَ بِمُقَابَلَةِ الْأَصَابِعِ حَيْثُ أَوْجَبَ فِي الْيَدِ نِصْفَ الدِّيَةِ وَجَعَلَ فِي كُلِّ إصْبَعٍ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ. وَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يَكُونَ كُلُّهَا بِمُقَابَلَةِ أَصَابِعِ كُلِّ الْكَفِّ وَالْأَصْلُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ وَإِنْ قَلَّ وَلَا يَظْهَرُ التَّابِعُ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ فَلَا يُعَارَضُ حَتَّى يُصَارَ إلَى التَّرْجِيحِ بِالْكَثْرَةِ وَلَئِنْ تَعَارَضَا فَالتَّرْجِيحُ بِالْأَصْلِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ بِالْكَثْرَةِ (وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الْأَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ الْكَفِّ وَدِيَةِ الْإِصْبَعِ وَالْإِصْبَعَيْنِ وَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِيهِ) أَيْ فِي الْأَكْثَرِ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَرْشَيْنِ لِأَنَّ الْكُلَّ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَلَا إلَى إهْدَارِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ فَرَجَّحْنَا بِالْكَثْرَةِ (وَإِنْ) كَانَ (فِيهَا) أَيْ فِي الْكَفِّ (ثَلَاثُ أَصَابِعَ فِدْيَةُ الْأَصَابِعِ) وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْأَصَابِعَ أُصُولٌ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَاسْتُتْبِعَتْ الْكَفُّ كَمَا إذَا كَانَتْ الْأَصَابِعُ قَائِمَةً (وَهِيَ) أَيْ دِيَةُ هَذِهِ الْأَصَابِعِ الثَّلَاثَةِ (ثَلَاثَةُ أَعْشَارِ) الدِّيَةِ (إجْمَاعًا) يَعْنِي لُزُومَ دِيَةِ الْأَصَابِعِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
(وَفِي الْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ حُكُومَةٌ) أَيْ حُكُومَةُ عَدْلٍ تَشْرِيفًا لِلْآدَمِيِّ لِأَنَّهَا جُزْءٌ لِلْآدَمِيِّ وَلَكِنْ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا وَلَا زِينَةَ.
(وَكَذَا) أَيْ يَلْزَمُ (فِي الشَّارِبِ) حُكُومَةُ عَدْلٍ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلِّحْيَةِ فَصَارَ طَرَفًا مِنْ أَطْرَافِ اللِّحْيَةِ.
(وَلِحْيَةُ الْكَوْسَجِ) أَيْ يَلْزَمُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: بِخِلَافِ لِحْيَةِ الْكَوْسَجِ حَيْثُ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ لَا يَبْقَى فِيهَا أَثَرُ الْحَلْقِ فَلَا يَلْحَقُهَا الشَّيْنُ بِالْحَلْقِ بَلْ بِبَقَاءِ الشَّعَرَاتِ يَلْحَقُهُ ذَلِكَ فَيَكُونُ نَظِيرَ مَنْ قَلَّمَ ظُفْرَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ.
(وَ) تَجِبُ فِي (ثَدْيِ الرَّجُلِ) حُكُومَةُ عَدْلٍ.
(وَ) كَذَا فِي (ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ وَلِسَانِ الْأَخْرَسِ وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَالْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ وَالرِّجْلِ الْعَرْجَاءِ وَالسِّنِّ السَّوْدَاءِ) فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الدِّيَةُ لِعَدَمِ فَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَعَدَمِ جَمَالِ السِّنِّ السَّوْدَاءِ وَلَكِنْ يَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ الْعَدْلِ تَشْرِيفًا لِلْآدَمِيِّ لِأَنَّهَا أَجْزَاءٌ مِنْهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعَيْنِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» وَلَنَا أَنَّ الْمَنْفَعَةَ وَهِيَ الْإِيلَاجُ وَالْإِنْزَالُ وَالْإِحْبَالُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ مِنْ هَذَا الْعُضْوِ فَإِذَا عَدِمَتْ لَا يَجِبُ فِيهَا الدِّيَةُ كَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ بِلَا ضَوْءٍ وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ.
(وَكَذَا) تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ (فِي عَيْنِ الطِّفْلِ وَلِسَانِهِ وَذَكَرِهِ إذَا لَمْ تُعْلَمْ صِحَّةُ ذَلِكَ) أَيْ صِحَّةُ كُلٍّ مِنْهَا (بِمَا يَدُلُّ عَلَى إبْصَارِهِ وَتَحَرُّكِ ذَكَرِهِ وَكَلَامِهِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَنْفَعَةُ فَإِذَا لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهَا لَا يَجِبُ الْأَرْشُ الْكَامِلُ بِالشَّكِّ وَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلْإِلْزَامِ بِخِلَافِ الْمَارِنِ وَالْأُذُنِ الشَّاخِصَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْجَمَالُ وَقَدْ فَوَّتَهُ عَلَى الْكَمَالِ وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهْلَكَ الصَّبِيُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ صَوْتٍ وَإِنْ عُلِمَتْ الصِّحَّةُ فِيهِ بِمَا ذَكَرَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَالِغِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ.
(وَإِنْ شَجَّ) رَجُلٌ (رَجُلًا) مُوضِحَةً (فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ) وَلَمْ يَنْبُتْ (دَخَلَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ) لِأَنَّ فَوَاتَ الْعَقْلِ يُبْطِلُ مَنْفَعَةَ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ إذْ لَا يُنْتَفَعُ بِدُونِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْضَحَهُ فَمَاتَ وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ الشَّعْرِ وَقَدْ تَعَلَّقَا جَمِيعًا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ فَوَاتُ الشَّعْرِ فَيَدْخُلُ الْجُزْءُ فِي الْكُلِّ كَمَنْ قَطَعَ إصْبَعَ رَجُلٍ فَشُلَّتْ بِهِ يَدُهُ كُلُّهَا.
(وَإِنْ ذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ كَلَامُهُ لَا يَدْخُلُ) أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا جِنَايَةٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَالْمَنْفَعَةُ مُخْتَصَّةٌ فَأَشْبَهَ الْأَعْضَاءَ الْمُخْتَلِفَةَ بِخِلَافِ الْعَقْلِ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ عَائِدَةٌ إلَى جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ كَمَا مَرَّ هَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الشَّجَّةَ تَدْخُلُ فِي دِيَةِ السَّمْعِ وَالنُّطْقِ وَلَا تَدْخُلُ فِي دِيَةِ الْبَصَرِ قِيلَ هَذَا إذَا كَانَ خَطَأً أَمَّا إذَا شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً عَمْدًا فَذَهَبَ مِنْ ذَلِكَ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ فَلَا قِصَاصَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَلَكِنْ يَجِبُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ وَدِيَةُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الشَّجَّةِ وَيَجِبُ الدِّيَةُ فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ.
(وَإِنْ ذَهَبَ بِهَا) أَيْ بِالْمُوضِحَةِ (عَيْنَاهُ فَلَا قِصَاصَ وَيَجِبُ أَرْشُهَا) أَيْ أَرْشُ الشَّجَّةِ (وَأَرْشُ الْعَيْنَيْنِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) يَجِبُ (الْقِصَاصُ فِي الْمُوضِحَةِ وَالدِّيَةُ فِي الْعَيْنَيْنِ) وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُ أَنَّ الْفِعْلَ إذَا أَوْجَبَ مَالًا فِي الْبَعْضِ سَقَطَ الْقِصَاصُ سَوَاءٌ كَانَا عُضْوَيْنِ أَوْ عُضْوًا وَاحِدًا وَعِنْدَهُمَا فِي الْعُضْوَيْنِ يَجِبُ الْقِصَاصُ مَعَ وُجُوبِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ عُضْوًا وَاحِدًا لَا يَجِبُ.
(وَلَا قِصَاصَ فِي أُصْبُعٍ قُطِعَتْ فَشُلَّتْ أُخْرَى) جَنْبَهَا بَلْ يَجِبُ الْأَرْشُ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ غَيْرُ وَاجِبٍ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ لِأَنَّ قَطْعَ الثَّانِي عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ شَلَّ الْأُخْرَى غَيْرُ مُمْكِنٍ (وَعِنْدَهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْحَسَنِ (يُقْتَصُّ فِي الْمَقْطُوعَةِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْأُخْرَى) الَّتِي شُلَّتْ لِأَنَّ الْقِصَاصَ وَاجِبٌ بِالنُّصُوصِ.
(وَلَوْ قَطَعَ مِفْصَلَهَا) أَيْ مِفْصَلَ الْإِصْبَعِ (الْأَعْلَى فَشُلَّ مَا بَقِيَ) مِنْ الْمَفَاصِلِ كَمَا فِي الرَّمْزِ شَرْحِ الْكَنْزِ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ فَشُلَّتْ مَا بَقِيَ مِنْ الْإِصْبَعِ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ تَدَبَّرْ (فَلَا قِصَاصَ بَلْ الدِّيَةُ فِيمَا قُطِعَ وَحُكُومَةٌ) أَيْ حُكُومَةُ عَدْلٍ (فِيمَا شُلَّ) وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ شَرْعًا وَتَلْزَمُ الْحُكُومَةُ فِيمَا بَقِيَ لِانْتِفَاءِ تَقْدِيرِ الشَّرْعِ فِيهِ.
(وَلَا) قِصَاصَ (لَوْ كَسَرَ نِصْفَ سِنٍّ فَاسْوَدَّ بَاقِيهَا بَلْ) تَجِبُ (دِيَةُ السِّنِّ كُلِّهَا وَكَذَا لَوْ احْمَرَّ) بَاقِيهَا (أَوْ اصْفَرَّ أَوْ اخْضَرَّ) الْأَصْلُ فِي هَذَا عِنْدَهُ أَنَّ الْفِعْلَ الْوَاحِدَ إذَا أَوْجَبَ مَالًا فِي الْبَعْضِ سَقَطَ الْقِصَاصُ سَوَاءٌ كَانَا عُضْوَيْنِ أَوْ عُضْوًا وَاحِدًا.
(وَلَوْ اسْوَدَّتْ كُلُّهَا بِضَرْبَةٍ وَهِيَ) أَيْ السِّنُّ (قَائِمَةٌ فَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَفِي الْعَمْدِ فِي مَالِهِ) وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَضْرِبَهُ ضَرْبًا يُسَوِّدُهَا جَمِيعًا بَلْ يَجِبُ الْأَرْشُ فِي الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَفِي الْعَمْدِ فِي مَالِهِ.
(وَلَوْ قُلِعَتْ سِنُّ رَجُلٍ فَنَبَتَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى سَقَطَ أَرْشُهَا) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ زَالَتْ مَعْنًى لِأَنَّ الْمُوجِبَ فَسَادُ الْمَنْبَتِ وَلَمْ يَفْسُدْ حَيْثُ نَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى فَلَمْ تَفُتْ الْمَنْفَعَةُ بِهِ وَلَا الزِّينَةُ (خِلَافًا لَهُمَا) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تَحَقَّقَتْ وَالْحَادِثَةُ نِعْمَةٌ مُبْتَدَأَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ فَحَصَلَ لِلْمُتْلَفِ عَلَيْهِ مَالٌ آخَرُ.
(وَفِي سِنِّ الصَّبِيِّ يَسْقُطُ إجْمَاعًا) لِأَنَّ سِنَّ الصَّبِيِّ لَا تَتَقَرَّرُ فِي مَكَانِهَا فَوُجُودُهَا كَعَدَمِهَا فَلَمْ يُعَدَّ قَلْعُهَا جِنَايَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِمَكَانِ الْأَلَمِ الْحَاصِلِ.
(وَإِنْ أَعَادَ الرَّجُلُ سِنَّةَ الْمَقْلُوعَةِ إلَى مَكَانِهَا) أَيْ السِّنِّ (فَنَبَتَ عَلَيْهَا اللَّحْمُ لَا يَسْقُطُ أَرْشُهَا إجْمَاعًا) وَعَلَى الْقَالِعِ كَمَالُ الْأَرْشِ لِأَنَّ هَذَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ إذْ الْعُرُوقُ لَا تَعُودُ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: هَذَا إذَا لَمْ تَعُدْ إلَى حَالِهَا الْأُولَى بَعْدَ النَّبَاتِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْجَمَالِ وَأَمَّا إذَا عَادَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
(وَكَذَا لَوْ قَطَعَ أُذُنَهُ فَأَلْصَقَهَا فَالْتَحَمَتْ) يَعْنِي يَجِبُ عَلَى الْقَالِعِ أَرْشُهَا لِأَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ.
(وَمَنْ قُلِعَتْ سِنُّهُ فَاقْتَصَّ مِنْ قَالِعِهَا ثُمَّ نَبَتَتْ) أَيْ نَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى (فَعَلَيْهِ دِيَةُ سِنِّ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّ الْمُوجِبَ فَسَادُ الْمَنْبَتِ وَلَمْ يَفْسُدْ حَيْثُ نَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى فَانْعَدَمَتْ الْجِنَايَةُ (وَيُسْتَأْنَى فِي اقْتِصَاصِ السِّنِّ، وَ) اقْتِصَاصِ (الْمُوضِحَةِ حَوْلًا) الِاسْتِنَانُ الِانْتِظَارُ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ.
(كَذَا لَوْ ضَرَبَ سِنَّهُ فَتَحَرَّكَتْ فَلَوْ أَجَّلَهُ الْقَاضِي فَجَاءَ الْمَضْرُوبُ وَقَدْ سَقَطَتْ سِنُّهُ فَاخْتَلَفَا فِي سَبَبِ سُقُوطِهَا فَإِنْ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ فَالْقَوْلُ لِلْمَضْرُوبِ وَإِنْ بَعْدَ مُضِيِّهَا فَ) الْقَوْلُ (لِلضَّارِبِ) وَفِي الْمِنَحِ ضَرْبُ سِنِّ إنْسَانٍ فَتَحَرَّكَتْ يُسْتَأْنَى حَوْلًا لِيَظْهَرَ أَثَرُ فِعْلِهِ وَلَوْ سَقَطَتْ سِنُّهُ وَاخْتَلَفَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَالْقَوْلُ لِلْمَضْرُوبِ لِيُفِيدَ التَّأْجِيلَ بِخِلَافِ مَا إذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً ثُمَّ جَاءَ وَقَدْ صَارَتْ مُنَقِّلَةً حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلضَّارِبِ لِأَنَّ الْمُوضِحَةَ لَا تُورِثُ الْمُنَقِّلَةَ وَالتَّحْرِيكَ يُورِثُ السُّقُوطَ وَلَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْحَوْلِ كَانَ الْقَوْلُ لِلضَّارِبِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ الَّذِي ضُرِبَ لِلسِّنِّ وَلَمْ تَسْقُطْ فَلَا شَيْءَ عَلَى الضَّارِبِ وَلَوْ اسْوَدَّتْ بِالضَّرْبِ أَوْ احْمَرَّتْ أَوْ أُحْضِرَتْ يَجِبُ الْأَرْشُ كُلُّهُ لِذَهَابِ الْجَمَالِ وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِمَا قُلْنَا فَأَوْجَبَ فِي الِاسْوِدَادِ وَنَحْوِهِ كَمَالَ الْأَرْشِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ سِنٍّ وَسِنٍّ وَقَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ الْأَضْرَاسِ وَبَيْنَ الْعَوَارِضِ الَّتِي تُرَى فَتَجِبُ فِي الْأَوَّلِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إذَا لَمْ يُفَوِّتْ بِهِ مَنْفَعَةَ الْمَضْغِ وَإِنْ فَاتَ يَجِبُ الْأَرْشُ كُلُّهُ كَيْفَ مَا كَانَ لِفَوَاتِ الْجَمَالِ وَإِنْ اصْفَرَّتْ تَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ.
وَقَالَ زُفَرُ: يَجِبُ فِيهَا أَرْشُ السِّنِّ كَامِلًا لِأَنَّ الصُّفْرَةَ تُؤَثِّرُ فِي تَفْوِيتِ الْجَمَالِ كَالسَّوَادِ وَلَنَا أَنَّ الصُّفْرَةَ لَا تُوجِبُ تَفْوِيتَ الْجَمَالِ وَلَا تَفْوِيتَ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّ الصُّفْرَةَ لَوْنُ السِّنِّ فِي بَعْضِ النَّاسِ وَلَا كَذَلِكَ السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ وَالْخُضْرَةُ.
(وَلَوْ شَجَّ رَجُلًا فَالْتَحَمَتْ وَنَبَتَ الشَّعْرُ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ يَسْقُطُ الْأَرْشُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ أَرْشُ الْأَلَمِ وَهُوَ حُكُومَةُ عَدْلٍ) لِأَنَّ الشَّيْنَ الْمُوجِبَ إنْ زَالَ فَالْأَلَمُ الْحَاصِلُ لَمْ يَزُلْ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) عَلَيْهِ (أُجْرَةُ الطَّبِيبِ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَزِمَهُ بِفِعْلِهِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ وَأَعْطَاهُ لِلطَّبِيبِ وَفُسِّرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ بِأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَالْمُدَاوَاةِ فَعَلَى هَذَا لَا خِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الشَّيْنُ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِفِعْلِهِ وَزَوَالِ مَنْفَعَتِهِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِزَوَالِ أَثَرِهِ وَالْمَنَافِعُ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ كَالْإِجَارَةِ وَالْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَيْنِ أَوْ شِبْهِ الْعَقْدِ كَالْفَاسِدِ مِنْهُمَا وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْجَانِي فَلَا تَلْزَمُهُ الْغَرَامَةُ وَكَذَا مُجَرَّدُ الْأَلَمِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ.
(وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ بِضَرْبٍ فَزَالَ أَثَرُهُ) فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي سُقُوطِ الْأَرْشِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَوُجُوبِ الْأَرْشِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَوُجُوبِ أُجْرَةِ الطَّبِيبِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ.
(وَإِنْ بَقِيَ) أَثَرُهُ (فَحُكُومَةُ عَدْلٍ بِالْإِجْمَاعِ) وَقَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ لَوْ جَرَحَهُ لِأَنَّهُ إذَا ضَرَبَهُ وَلَمْ يَجْرَحْ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (وَلَا يُقْتَصُّ لِجُرْحٍ أَوْ طَرَفٍ أَوْ مُوضِحَةٍ إلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْمُوجِبَ قَدْ تَحَقَّقَ فَلَا يُؤَخَّرُ كَمَا فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ جُرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ صَاحِبُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَلِأَنَّ الْجِرَاحَاتِ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَآلُهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَسْرِي إلَى النَّفْسِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ قَتْلٌ فَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ جُرْحٌ إلَّا بِالْبُرْءِ.
(وَكُلُّ عَمْدٍ سَقَطَ فِيهِ الْقَوَدُ لِشُبْهَةٍ كَقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ فَالدِّيَةُ فِيهِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا لَا يَعْقِلُ الْعَاقِلَةَ عَمْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا.
(وَعَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ وَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَلَا حِرْمَانَ إرْثٍ) وَذَلِكَ عِنْدَنَا لِعَدَمِ الْقَصْدِ الصَّحِيحِ وَلَمَا رُوِيَ أَنَّ مَجْنُونًا صَالَ عَلَى رَجُلٍ بِسَيْفٍ فَضَرَبَهُ فَفَزِعَ ذَلِكَ إلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَجَعَلَ عَقْلَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَالَ: عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ مَظِنَّةُ الْمَرْحَمَةِ وَالْعَاقِلُ الْخَاطِئُ لَمَّا اسْتَحَقَّ التَّخْفِيفَ حَتَّى وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَالصَّبِيُّ وَهُوَ أَعْذَرُ وَأَوْلَى بِهَذَا التَّخْفِيفِ وَلَا نُسَلِّمُ تَحَقُّقَ الْعَمْدِيَّةِ فَإِنَّهَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْعِلْمِ وَالْعِلْمُ بِالْعَقْلِ وَالْمَجْنُونُ عَدِيمُ الْعَقْلِ وَالصَّبِيُّ قَاصِرُ الْعَقْلِ فَأَنَّى يَتَحَقَّقُ مِنْهُمَا الْقَصْدُ وَصَارَ كَنَائِمٍ وَحِرْمَانُ الْمِيرَاثِ عُقُوبَةٌ وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ وَالْكَفَّارَةِ كَاسْمِهَا سِتَارَةٌ وَلَا ذَنْبَ تَسْتُرُهُ لِأَنَّهُمَا مَرْفُوعَا الْقَلَمِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَالْمَعْتُوهُ كَالْمَجْنُونِ) فِي لُزُومِ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَعَدَمِ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ وَعَدَمِ الْحِرْمَانِ عَنْ الْإِرْثِ.